مدعومة من المرشد علي خامنئي، تمضي حكومة حسن روحاني في تطبيق قرارها مضاعفة سعر البنزين، مروّجة لـ«إيجابيات» مهمة للقرار. وأمام الاحتجاجات الغاضبة، لا يظهر أي تراجع عن القرار، بل ثمة تأكيدٌ أن العوائد ستظهر لدى الفئات الأكثر فقراً، ما جعل الحكومة تواجه المعترضين بتسريع موعد المساعدات المعيشية
لم يتمكن الزمن من إغلاق دورته السنوية الثانية على موجة الاحتجاجات التي عمّت إيران أواخر 2017، قبل أن تنشب بوادر لموجة جديدة، بعدما قررت الحكومة (مستندة إلى قرار «مجلس التنسيق الاقتصادي الأعلى») رفع أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 300%. احتجاجات يرى بعضهم أنها لا تطاول العاصمة على نحو لافت حتى الآن، تبعاً لعدم تأثيرها الكبير في جيوب الطبقة الوسطى، وهو ما يقلل فرص توسعها، لكن ذلك لا يحجب حساسية ما تمر به الجمهورية الإسلامية. إذ إن الاحتجاجات عمّت عدداً من المدن كمشهد والأهواز وشيراز وأصفهان ويزد وتبريز وسيرجان، وانطلقت بعد ساعات قليلة من الإعلان الحكومي الذي صدر ليل الخميس ــــ الجمعة، كما خلفت في ليلتها الأولى قتيلاً، وفق القائم بأعمال حاكم سيرجان، محمد محمود آبادي، الذي نقلت عنه وكالة «إيسنا»، أن القتيل «وقع نتيجة تصدي قوى الأمن لهجوم من المتظاهرين على مستودعات النفط في المدينة»، قبل أنباء عن مقتل شرطي، ثم تسارع الأخبار المتضاربة بشأن الضحايا والجرحى من دون تأكيد مصدر رسمي أو حيادي.
التلفزيون الرسمي واكب الاحتجاجات في عدد من المحافظات، كما تابعت وكالات الأنباء تفاصيلها من حيث حجم المشاركين والشعارات التي تنوعت بين السياسي والمطلبي، فضلاً عن تغطيتها قطع الطرقات والعنف الذي طاول عدداً من المرافق العامة في بعض المدن. لكن لم تتأخر «الشركة الوطنية لتوزيع المنتجات النفطية» عن تأكيد التزامها القرار الحكومي، موضحة أن ارتفاع الأسعار سيشمل البنزين بتصنيفاته كافة. وذكرت الشركة أن الليتر الواحد من البنزين المدعوم حكومياً سيرتفع سعره من 1000 إلى 1500 تومان (الدولار الأميركي يعادل 4200 تومان وفق السعر الرسمي)، على أن يحصل أصحاب السيارات الخاصة شهرياً على 60 ليتراً من البنزين المدعوم، فيما سيحصل أصحاب سيارات الأجرة على 400 ليتر. أما أصحاب الدراجات النارية فسيحصلون على 25 ليتراً، وفي حال احتياج هذه الفئات الى كميات أكبر، سيذهبون باتجاه البنزين غير المدعوم الذي يصل سعره إلى 3000 تومان.
الرئيس حسن روحاني وضع القرار في إطار «مصلحة الشعب»، مطمئناً خلال لقائه أعضاء الحكومة والمسؤولين، بمناسبة ذكرى المولد النبوي، إلى أن «حكومته لا تنوي الاستفادة من العائدات الناتجة من زيادة الأسعار»، بل برّر هذه الخطوة بـ«مساعدة فئات المجتمع القابعة تحت الضغط»، مشيراً إلى أن العائدات ستذهب إلى خطة الدعم الحكومي التي تستهدف الطبقات الضعيفة. ومع أنه أقرّ بعدم قدرة حكومته على تطبيق تلك الخطة سابقاً، بسبب «قلة مصادر الدخل والميزانية»، بيّن روحاني أن «هذه الخطة ستشمل ما يقارب 18 إلى 19 مليون عائلة وما يقارب 60 مليون شخص»، مؤكداً أن الدفع للمرة الأولى لهذه العائلات سيكون في الشهر المقبل. لكنه عاد أمس، في ما يبدو استباقاً لاحتمالية توسع الاحتجاجات ولسحب الذرائع ولتلمّس «إيجابيات» القرار سريعاً، وأقرّ دفع المساعدات ابتداء من اليوم (الاثنين)، كما عبّر عن أمله بأن «تسفر هذه الجهود عن تأمين الدفع لهذه العائلات شهرياً».
تراهن الحكومة على أن يؤدي القرار إلى الحدّ من الاستهلاك المحلّي للبنزين
ما تقدّم من الممكن أن «يؤدي في حال كان الدعم مادياً إلى زيادة سعر العملة الأجنبية ثم زيادة التضخُّم»، وفق الخبير الاقتصادي حيدر مستخدمين حسيني الذي نصح الحكومة في مقاله في صحيفة «جهان صنعت» الاقتصادية، بأن «تتخذ نهجاً جديداً في دعم العائلات يقوم على تقديم هذا الدعم على شكل سلع»، لأن ذلك سيكون أقل تأثيراً في توقعات التضخم، على حد قوله. لكن مستخدمين حسيني حذّر من تقديم حزم الدعم في أوقات معينة من العام، لأن هذا التوجه سيؤدي إلى «استياء شعبي عام»، متوقعاً أن «تكون الحكومة بحلول نهاية العام قادرة على تقديم حزم الدعم للشعب مرتين في العام فقط»، ما سيجبرها على «إخراج بعض السلع الأساسية من دائرة السلع المشمولة بسعر الدولار الحكومي 4200 تومان»، وهذا بدوره «سيضاعف دخل الحكومة لتعويض جزء من العجز». وعليه، يخلص الخبير الاقتصادي إلى أن «الإجراءات الجديدة لها أبعاد سياسية أكثر مِن أن يكون لها أغراض اقتصادية»، مؤكداً أن «تحقيق المكاسب الانتخابية للحكومة يقع على رأس أهداف الخطوات الأخيرة».
الأمر نفسه يُرجّحه عدد من المراقبين، ولا سيما في ظل استفادة المناطق والمدن الريفية من هذه الإجراءات. وفي هذا الصدد، يُذكر هؤلاء بأن هذه الخطة هي «خطة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد التي تعرضت لانتقادات واسعة آنذاك»، لأنها أدت إلى «خفض عدم المساواة في الدخل في إيران»، إذ شهد على إثرها القطاع الأشد فقراً في المجتمع زيادة ملحوظة في دخله. وفي هذا الإطار، لم تُبد افتتاحية صحيفة «جمهوري إسلامي» الوسطية رأيها في أصل التوجه إلى رفع أسعار البنزين، لكنها رأت أن «استخدام عوائد هذه الزيادة في الدعم النقدي للعائلات هو استغلال سيئ»، مقترحة على الحكومة تخصيص هذه العوائد لـ«تعزيز البنية التحتية، ومنها النقل العام»، لأن تعزيز هذا القطاع سيقلل احتياج الشعب إلى السيارات الخاصة، وسيساعد في حل مشكلة تلوث الهواء، فضلاً عن أنه سيخفض تكلفة النقل.
من جانب آخر، تراهن الحكومة على أن يؤدي هذا القرار إلى الحد من الاستهلاك المحلي للبنزين في البلاد، الذي يبلغ حالياً وفق بعض التقارير 94 مليون ليتر يومياً، مقارنة بعام 2016 الذي بلغ فيه الاستهلاك 73.4 مليون ليتر. وقد رُبط النمو في معدل الاستهلاك الذي وصل عام 2018 إلى 14.2% بانخفاض الأسعار وتهريب الوقود إلى الدول المجاورة بما فيها تركيا، التي يُقارن المستشار السابق لرئيس الجمهورية بين استهلاكها للوقود واستهلاك إيران للوقود، فيشير في مقالة في صحيفة «آرمان ملي» الإصلاحية، إلى أن معدل استهلاك الوقود هناك «يبلغ ربع ما تستهلكه إيران، برغم أن الاقتصاد التركي يبلغ ضعفَي الاقتصاد الإيراني»، وهذا ما يُحتّم على بلاده «تصحيح عملية استهلاك الوقود»، الأمر الذي بدت بوادره أمس، إذ أفادت «إيسنا» بأن «استهلاك البنزين في إيران انخفض 20% منذ تطبيق القرار يوم الجمعة الماضي، مقارنة بالمدة نفسها من الأسبوع الماضي».
تراهن الحكومة على أن يؤدي القرار إلى الحدّ من الاستهلاك المحلّي للبنزين
خامنئي يحسم الجدل
برغم التئام «المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي»، الذي يضمّ رؤساء السلطات الثلاث في إيران، بعد ظهور الاحتجاجات، وتأكيده فور انتهاء الاجتماع ظهر السبت دعمَ القرار الحكومي، لم تتوقف الأصوات البرلمانية عن مساعيها للتصويت أمس على مشروع قانون يُلغي قرار الحكومة. لكن ذلك توقف بعدما أعلن المرشد علي خامنئي تأييده قرار السلطات الثلاث ووصفه بـ«المدروس»، مشدداً في درسه الفقهي صباح أمس على أن «هذا القرار يتعين تطبيقه». وبذلك، أجاب خامنئي عن التساؤلات التي دارت حول قدرة البرلمان على إلغاء قرار المجلس المذكور، في ظل الحديث عن صلاحيات واسعة يمتلكها الأخير بعدما شُكّل بأمر من المرشد إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في أيار/ مايو 2018.
حديث خامنئي لم يقتصر على الكشف عن موقفه من الجدل بين مؤسسات صنع القرار، بل تعدّاه إلى دعوة مسؤولي الأمن إلى القيام بواجبهم بعدما حمّل مسؤولية ما وصفه «الأعمال التخريبية» على كاهل «المعادين للثورة». كذلك، لم تتأخر وزارة الاستخبارات الإيرانية بعد دعوة المرشد، مبدية استعدادها لـ«التعامل بحزم مع كل العناصر المخلّين بالأمن والاستقرار»، وقائلة في بيان إن «أعداء إيران يعلّقون آمالاً على هذه الاضطرابات، لكنها ستُحبط كما في الماضي».