إحتساب الضرائب والرسوم بالليرة على أساس القيمة الفعليّة للعملات الأجنبيّة

بتاريخ 15 كانون الثاني 2021 صدر إعلام عن وزير الماليّة تحت الرقم 114/ص أ بضرورة إصدار الفواتير والمستندات المماثلة لها واستيفاء الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانيّة، استناداً إلى المادة 25 من قانون حماية المستهلك، على أن يطبّق هذا الإعلام على جميع المكلّفين من أصحاب المهن التجاريّة والصناعيّة وغير التجاريّة وأصحاب المهن الحرّة، ما يعني عمليّاً إصدار فواتير هؤلاء المكلّفين لزوماً بالليرة اللبنانيّة بما فيها الضريبة على القيمة المضافة وتسليمها إلى شاريي السلعة أو المستفيدين من الخدمة المفوترة.

نشير فوراً إلى أنّ المادة 17 من القانون ذاته تستثني صراحةً من نطاق تطبيقه، المهن الحرّة والمصارف وشركات التأمين، وحسناً فعل نقباء المهن الحرّة في مراجعتهم وزير الماليّة وحمله على اعتبار أنّ الإعلام رقم 114/2021 المذكور لا يسري على أصحاب المهن الحرّة، بحيث لا يكونوا مُلزمين بإصدار فواتيرهم بالليرة اللبنانيّة.

إلا أنّ مقاربة هذه المسألة تتجاوز الاستثناء النصّي المذكور إلى ما هو أشمل، ذلك أنّ وزير الماليّة لم يكتفِ بالإعلام أعلاه بل أصدر قراراً تحت الرقم 893/1 بتاريخ 21/1/2020 فرض فيه تسجيل العمليّات التجاريّة وعناصر الأصول والخصوم التي تتأثّر قيمتها بتقلّبات أسعار العملات الأجنبيّة في السجلات المحاسبيّة بالليرة اللبنانيّة وفقاً لقيمتها الفعليّة بتاريخ حصول العمليّة، وأنّه سبق أيضاً لديوان المحاسبة أن أبدى رأياً استشاريّاً بتاريخ 24/12/2020 بوجوب اعتماد “الأسعار الرائجة في السوق” عند تخمين سعر المتر العقاري بالليرة اللبنانيّة سواء تناول الموضوع عقد البيع أو الشراء أو تسوية مخالفات البناء.

بدايةً، إنّ المادة 25 من قانون حماية المستهلك لا يمكن أن تعني، بل على العكس، أن تحدد القيمة الإجماليّة للفاتورة بالعملة اللبنانيّة وفقاً لأسعار السوق، طالما لم تشر صراحةً إلى القيمة الفعليّة، ولا يمكن أن تستوفي الضرائب والرسوم على قيمة متحرّكة للفاتورة سواء عند التسليم الفوري للخدمة أو السلعة، أو بصورة أولى عند التسليم المؤجّل.

إضافةً إلى ذلك، وهذا هو الأشمل والأهمّ، أنّ الجهة المخوّلة بتحديد سعر رسمي لليرة اللبنانيّة هي المجلس النيابي ما يعني أنّ هذا السعر يتحدد بموجب قانون. إنّ القانون اللبناني لا يحظّر التعامل بالعملة الأجنبيّة، بل إنّه لا يسمح بأن يرفض أحدنا قبول العملة اللبنانيّة كعملة إبراء على ما ورد في المادة 192 من قانون النقد والتسليف. من هنا القول انّ المصرف المركزي ليس الجهة المخوّلة لتحديد سعر الصرف الرسمي للعملة الأجنبيّة، بل أكثر من ذلك ليس هناك من سعر رسمي للعملة الأجنبيّة في لبنان.

إنّ الأدهى في كلّ ذلك أنّ الضرائب والرسوم محددة بموجب القانون الوضعي، هذا القانون الذي يفرض الدستور في مادتيه 82 و 88 أن يُصار بموجبه الى فرض الضرائب أو تعديلها، فكيف إذا كان الأمر يؤدّي فعليّاً إلى زيادة معدّلات هذه الضرائب والرسوم وقيمها في حال اعتماد الأسعار الرائجة في السوق السوداء.

دعوة صريحة للرجوع عن هذه التعاميم والقرارات والآراء المخالفة للدستور والقانون، كما هي دعوة أيضاً للمشترع أن يتدخّل مباشرةً أو بتفويض الحكومة بهذا الشأن، على ما حصل سنة 1973 من دون أن تمارس الحكومة في حينه هذا التفويض، وذلك لتحديد سعر انتقالي قانوني جديد لليرة اللبنانيّة بعد استشارة مصرف لبنان، عملاً بالنصوص المرعيّة، وذلك ريثما تحدد قيمة الليرة بالذهب والعملات الأجنبيّة في مصرف لبنان، على ما تنصّ عليه المادة 229 من قانون النقد والتسليف. رغبنا في هذه المقالة أن نساهم في إرساء دولة القانون وقفل الجدال، وإذ بنا نفتح نافذة على التدقيق المالي الواجب حصوله في مصرف لبنان لتقويم موجوداته والوقوف على أسباب الفجوة في حساباته.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةالإتحاد الأوروبي سيدعو مجموعة العشرين إلى مواصلة ضخ أموال في الإقتصاد العالمي
المقالة القادمة“إتحاد جمعيات المودعين” يعلن حالة الطوارئ