إستبعاد عزل لبنان عن النظام المالي العالمي لمجرّد إتّهام رياض سلامة

عندما كانت الأخبار، أكانت معلومات أم إشاعات، تصدر في الإعلام محلياً ودولياً بحق مصرف لبنان وحاكمه أو بحق بعض المصارف، كان القيّمون على القطاع المصرفي يتأهّبون وأوّلهم حاكم مصرف لبنان للتوضيح أن تلك الأخبار أو الاتّهامات المرتبطة بتسهيل عمليات تبييض الأموال أو التجاوزات المصرفية أو الاختلاسات من المال العام، هي مجرّد إشاعات ومعلومات غير مثبتة ودقيقة، وهي في سياق محاولة ضرب القطاع المصرفي، ويحذّرون من أن تلك الأخبار تضرّ بعمل القطاع وبتصنيفه الدولي وعلاقاته مع البنوك المراسلة في الخارج وتؤثّر على الثقة بالقطاع.

ماذا الآن بعد أن بدأت الإتهامات تتوالى؟

هذه التحذيرات كانت تتوالى مع صدور أي تقرير أو مقال صحفي. ولكن اليوم تلك الأخبار التي تحوّلت الى اتّهامات وصولاً الى إصدار مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لم تعد عابرة ويمكن نفيها عبر البيانات، بل أصبحت رسمية على صعيد كافة دول العالم. وبالتالي كيف سيواجهها القطاع المصرفي وكيف ستؤثر على علاقاته وعلى عمله، في ظلّ أسوأ مرحلة تمرّ بها المصارف التي لم تعد تملك أي سلاح لاستخدامه، وهي في حالة إفلاس مالي ومتّهمة بتبديد 100 مليار دولار من أموال المودعين، ومهدّدة بالزوال بعد منح رخص لمصارف جديدة، ما يعني وفقاً للأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف «خلق قطاع مصرفي جديد والقضاء على القطاع المصرفي الحالي مع ودائعه».

وإذا كان اتهام مصرف لبناني واحد بخرق القوانين المصرفية الدولية ووضعه على اللوائح السوداء يؤدي الى قطع كافة العلاقات الدولية والتعاملات المالية معه، فكيف بالأحرى اتهام حاكم بنك مركزي ينظّم قطاعاً مصرفياً بأكمله ويراقبه ويصوغ التعميمات والقرارات المتعلّقة بعمله؟

ورغم أن ولاية سلامة تنتهي بعد شهرين، يعتبر بعض المعنيّين بالقطاع أن الحكومة يجب أن تتّخذ قراراً بهذه القضية، وانه يتوجب على سلامة تقديم استقالته والتفرّغ للدفاع عن نفسه محلياً وفي الخارج.

طويلة: إنعكاسات سيئة لا يمكن تحديدها بدقّة اليوم

في هذا الإطار، رأى الخبير المصرفي سمير طويلة أن الآلية القضائية التي انطلقت بحقّ سلامة لا تزال بالمراحل الأولى، فمذكّرة التوقيف مرتبطة بعدم مثوله أمام القضاء، أي ما زالت تتمحور حول الشكل وليس المضمون، وبالتالي لم يصدر بعد حكم الإدانة أو البراءة. ولكن بغضّ النظر عمّا إذا كانت مذكرة التوقيف مرتبطة بالشكل أو بمضمون القضية، فإنّ اتهام حاكم بنك مركزي لقطاع مصرفي مأزوم ستكون له انعكاسات سيئة جدّاً لا يمكن تحديدها حالياً، وقد تترجم في حسابات المصارف والبنك المركزي لدى البنوك المراسلة في الخارج في نيويورك وأوروبا. وأشار طويلة الى أنّ أهمّ انعكاس سيكون مرتبطاً بعلاقة المصارف مع البنوك المراسلة وكيفية تعاملها معها، خصوصاً أن العلاقة حالياً متّسمة بالتحفّظ والتشدّد.

سروع: حذار من انتشار عمليات تبييض الأموال

بدوره دعا الخبير المصرفي د. جو سروع بدلاً من دعوة سلامة إلى الاستقالة وما إلى ذلك، الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة وتعيين حاكم جديد للبنك المركزي ووضع حد للفوضى العارمة على الصعيد المالي والنقدي والاقتصادي. ومعالجة أزمة القطاع المصرفي المهدّد بالزوال وتحديد مصير الودائع قبل الشروع بإعطاء رخص للمصارف الجديدة. معتبراً أن الانعكاسات على علاقة البنك المركزي والمصارف بالبنوك المراسلة لن تتأثر بملاحقة الحاكم على صعيد شخصي بل بنمو الاقتصاد النقدي الذي أصبح يوازي حوالي 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويبلغ 10 مليارات دولار وما يعزّزه من ازدهار لعمليات تبييض الأموال.

وأكد سروع لـ»نداء الوطن» أن انتشار عمليات تبييض الأموال هو الذي سيقطع علاقاتنا مع البنوك المراسلة خصوصاً مع ترقّب صدور تصنيف سيّئ للبنان في هذا الإطار في اليومين المقبلين.

ما هو نظام سويفت المالي؟

حمّود: ما يجري هو في إطار الإجراءات القضائية التمهيدية

من جهته، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمّود أنّ المذكرة الفرنسية بحق حاكم مصرف لبنان ناتجة عن قرار قضائي أجنبي ما يستوجب أيضاً إحالته على القضاء اللبناني لدراسته قبل اتخاذ قرار بالتنفيذ، «ولو أن قرار الملاحقة معمّم على الأنتربول». موضحاً أن مفاعيل مذكرة التوقيف تتجزّأ الى قسمين، الأول قضائي بحت والثاني مصرفي نقدي.

من الناحية القانونية، أشار حمّود لـ»نداء الوطن» إلى أن ما يحصل اليوم في القضاء، يأتي في إطار الإجراءات التمهيدية التي تستوجب بلغة المحاكم، المرور بثلاث مراحل هي الملاحقة، والتحقيق، والحكم، «علماً أننا ما زلنا في المراحل الأولى التي تتضمّن الطعن والردّ والدفوع، وهذا ما يحصل اليوم مع صدور قرارات ملاحقة».

وأسف حمود أنه منذ أكثر من شهر، أشيع مسبقاً من قبل مصادر أجنبية ومحلية، خبر صدور مذكرة توقيف بحق سلامة وتعميمها على الأنتربول مع تحديد التاريخ الدقيق لذلك، أي في 16 أيار، «وهو الأمر المنافي للقوانين القضائية».

أما من الناحية المصرفية النقدية، فرأى أنه في ظلّ معاناة لبنان من أزمة اقتصادية ومالية لا مثيل لها، ومع إمكانية تعرّض النظام المصرفي بأسره للدمار وضياع حقوق المودعين وغياب العمل المصرفي الصحيح، وفي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من فراغ رئاسي وحكومة تصريف الأعمال والجدل القائم حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال بتعيين حاكم جديد للبنك المركزي، فإن الأزمة الحقيقية لا تتعلق بموضوع إدانة سلامة أو براءته قبل شهرين من انتهاء ولايته، بل بأزمة النظام المصرفي والقطاع المصرفي والبلد ككلّ.

العلاقات جيدة مع «جب بي مورغان بنك»

ورأى حمّود أنّ الأزمة تتجاوز قضية إدانة سلامة، لأن النظام المصرفي مهدّد من عدّة نواحٍ، آخرها التحفظ الجديد من قبل المراسلين على المصارف اللبنانية، وعلاقتها السيئة معهم والتي تقف على حافة الهاوية رغم أن بعض المصارف والبنك المركزي لاتزال تتمتّع بعلاقة جيّدة مع المراسلين، خصوصاً مع «جي بي مورغان بنك».

أضاف: بما أن ولاية الحاكم تنتهي بعد شهرين، وبما أن الإجراء القضائي هو إجراء تمهيدي معرّض للطعن وليس حكماً نهائياً بالإدانة، وبالتالي أعتقد أنه لن يكون هناك ردّ فعل مباشر وسريع من قبل المصارف المراسلة على المصارف اللبنانية أو حتّى على البنك المركزي، لأن ما يهمّ تلك البنوك أكثر هو الوضع الإداري للبنك المركزي بعد أواخر شهر تموز.

تابع: ملاحقة الحاكم بمراحل تمهيدية لا تسمح للمصارف المراسلة بقطع علاقاتها مع البنك المركزي لأن مالية المركزي ليست مالية الحاكم. كما أن إدانة الحاكم بموضوع شخصي وبإدارته البنك المركزي وبثروته لا تعتبر إدانة للبنك المركزي بأمواله الخاصة.

فليستلم وسيم منصوري في حال شغور الحاكمية

واعتبر حمّود أنه لا يجوز تعيين حاكم جديد في ظلّ غياب رئيس للجمهورية مستبعداً حصول هذا الأمر، ومرجّحاً تولّي النائب الأوّل للحاكم وسيم منصوري مهام الحاكميّة التي لا مجال للتهرّب منها مهما كانت المبرّرات إلّا عبر الاستقالة «وهو الأمر الذي أعتقد أن منصوري لن يتحمّل مسؤوليته». أما في حال أراد منصوري الاستقالة، فلا مانع أمام حكومة تصريف الأعمال من تعيين حاكم جديد لأن الفراغ في سدّة الحاكمية في ظلّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد، أمر كارثي يهدّد استمرارية النظام المصرفي. وذكّر حمّود بأزمة «انترا» في العام 1966، والتي توالت على إثرها التشريعات والقوانين لمعالجة تداعيات الأزمة، «في حين أننا اليوم ما زلنا ندور في حلقة اتهام حاكم مصرف لبنان أو براءته، محاكمته في فرنسا أو في لبنان… علماً أننا لم نجد بعد حلّاً لأزمة الفراغ في سدّة الحاكمية بعد حوالي شهرين».

 

مصدرنداء الوطن - رنى سعرتي
المادة السابقةأزمة «الباسبورات»: عودة إلى المنصة وفتح باب الرشاوى
المقالة القادمةالمخاتير بلا طبابة: أين أموال “طابع المختار”؟