بدلاً من أن “تكحّل” السلطة السياسية مطالب موظفي الادارة العامة بمساواتهم مع غيرهم من القطاعات، “أعمتها” بحرمانهم من بدل النقل والمساعدة الاجتماعية. فما كان منهم إلا أن اقتطعوا اليوم الوحيد من روزنامة حضورهم الاسبوعي إلى مكاتبهم، معلنين الإضراب المفتوح.
آلاف المعاملات المتعلقة بمصالح المواطنين وأرزاقهم ومصدر عيشهم علّقت إلى أجلٍ يبدو أنه سيطول. فعقم الدولة وعجزها الفاضح عن إنصاف من يخدمونها باللحم الحي، لا حل له. التمويل من طباعة الاموال سيزيد القدرة الشرائية انهياراً، وعدم التمويل مع غياب سياسة واضحة لسعر الصرف سيفوّتان على الدولة إيرادات بآلاف المليارت. وبين الأمرين المرّين تفقد الدولة موظفيها بما يمثلون من ركيزة أساسية تقوم عليها، ويدفع المواطن الثمن.
يتشارك موظفو القطاع العام البالغ عددهم 320 ألفاً في الخدمة الفعلية و120 ألف متقاعد، مصيبة انهيار القدرة الشرائية نفسها. إلا أن شريحة موظفي الادارة العامة تبقى “الاكثر تأثراً”، بحسب رئيسة رابطة الموظفين نوال نصر. ذلك أن حصة الادارة العامة من الموازنة لا تتجاوز 20 مليون دولار بحسب سعر صرف السوق. وقد حرم الموظفون من المساعدة الاجتماعية التي أقرت بمرسوم في كانون الثاني الفائت ولا يدفع لهم بدل النقل. فأصبح دخل شريحة كبيرة منهم لا يتجاوز الدولار الواحد يومياً. وفي أحسن السيناريوات فان الراتب الذي يتقاضونه بمتوسط 2 مليون ليرة شهرياً، لا يكفي للوصول إلى مراكز العمل، حتى لو جمع مع بدل النقل المحدد بـ 64 ألف ليرة يومياً والمساعدة الاجتماعية التي تتراوح بين 1.5 و3 ملايين ليرة”.
عجز الدولة بصفتها أكبر رب عمل عن إنصاف من يخدمونها، ما هو إلا دليل على تحلّلها. وإذا كان الموظف المضرب يستطيع ان يستمر من خلال التقنين في المصروف، والعمل بشكل حر، وبيع الأصول وتسييل المدخرات… فإن السؤال الاساسي هو كيف يمكن للدولة أن تستمر. فالدولة فقدت موظفيها ومواردها المالية وثقة مواطنيها، وأصبحت على قاب قوسين أو أدنى من التحلّل والاندثار بشكل نهائي.