لليوم الرابع على التوالي، يُواصل مُحتجّون في ساحة ناصر في بعلبك، قطع الطريق ليلاً، إحتجاجاً على الأوضاع المعيشية التي وصلوا إليها، مُنتفضين على الواقع الذي يعيشونه بعد تحليق سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، وسط عجز الكثيرين عن تأمين مُتطلّبات حياتهم اليومية، فيما يسعى آخرون للتموّن بالسلع الضرورية خوفاً من فقدانها. لا سيولة بين أيدي المواطنين للصمود والبقاء على قيد الحياة، حيث بات تأمين سعر ربطة الخبز من المُستحيلات، وجمع العائلة على مائدة طعام تحتوي عدّة اصناف، بات عبئاً على العديد من الناس، فيما لا تزال الحكومة تُراوح مكانها في إيجاد الحلول ولجم إرتفاع سعر صرف الدولار الذي يؤثّر سلباً على إرتفاع الأسعار من دون رقابة أو دعم يُحكى عن رفعه عن المواد الأساسية، كالطحين والمحروقات.
تتحكّم السوق السوداء في عرض وطلب السلع في البقاع، كمادة المازوت التي يشتريها المزارعون والمواطنون بالقطّارة، وهي مادة أساسية يستخدمونها طوال فترة الموسم لضخّ المياه من الآبار وتشغيل آلياتهم، حيث تمتنع بعض المحطّات عن البيع، بالرغم من وجود مخزون لديها، وفي حال توفرت المادة، يصل سعر الصفيحة إلى مئة وتسعين ألفاً، فيما حدّدت وزارة الطاقة والمياه السعر بـ 12500 ليرة، وينتظر الكثير من المواطنين فصل الصيف لهبوط سعر المازوت لملء خزّاناتهم لفصل الشتاء لإستخدامها في التدفئة. وفي هذا الإطار، أكّد أحد المزارعين في سهل البقاع، أن ارتفاع سعر المازوت بهذا الشكل وعدم توفره سيؤثّر تالياً على اسعار السلع والخضار عند موسم القطاف، فالمزارعون يجهدون لتأمينها، وهم لا يستطيعون تحمّل الخسائر، وسط عجز الدولة عن إيجاد الحلول.
سوق بعلبك
وعلى المقلب الآخر، وبعد فكّ إجراءات الحظر تدريجياً، إستعاد السوق الشعبي في بعلبك نشاطه حيث يُعتبر ملاذ الفقراء مِمّن لا قُدرة لديهم على مُجاراة أسعار السوق. غير أنّ إرتفاع الأسعار بشكل عام، إنعكس على أسعار السلع في السوق أيضاً. فمُعظم البسطات لم تفتح كعادتها، والناس لم تقصده امس بتلك الوتيرة التي كانت قبل أزمة “كورونا” والدولار، حيث تقتصر حركة المبيع والشراء على قلّة قليلة من الناس.
لا فرق بين أسعار الخضار في المحال أو على البسطات. بهذه الكلمات تصف الستينية أمّ علي الوضع، وتُضيف بأنّها كانت تعتقد أنّ السوق سيكون أرحم من غيره، ويُمكن للناس أن تقضي حاجاتها منه لكنّ لا شيء تغير، وبالرغم من كل العروضات وصَيحات الباعة عن التنزيلات في الأسعار على إختلاف أنواعها، لكنّها لم تشتر سوى كيلو بندورة وكيلو بطاطا، لتأمين طعام اليوم لعائلتها، على أمل أن تنخفض الأسعار خلال الأيام المقبلة.
وبالرغم من كلّ العوائق وإرتفاع الأسعار، يعمد بعض المواطين إلى شراء كمّيات من المواد الأساسية، كالطحين والحبوب، خوفاً من فقدانها، حيث شهدت بعض المحال والسوبرماركت إقبالاً كثيفاً من المواطنين خلال اليومين الماضيين، لتخزين ما أمكن وحسب قدرة كلّ منهم. أما اللحوم فقد أصبحت من المواد النادرة على موائد الكثيرين، حيث تتقلّب أسعارها حسب سعر الدولار، ووصل امس سعر كليو “لحم البقر” إلى 45 ألفاً، فيما وصل سعر كيلو الغنم إلى تسعين ألفاً. وفي هذا الإطار، قال ح. ع. صاحب إحدى الملاحم لـ”نداء الوطن” :”إنّ الذبيحة يتقاسمها أكثر من خمسة لحّامين وتبقى البضاعة على مدى أربعة أيام، وحركة البيع والشراء إنخفضت بنسبة تسعين في المئة، وتقتصر في الكثير من الأيام على ثلاثة زبائن خلال النهار، فيما يقصد البعض الملحمة للشراء بالوقية”.
وفيما يبحث الناس عن أرخص الأسعار لتأمين حاجاتهم الضرورية، تشهد سوبرماركت مشيك عند مدخل مدينة بعلبك، إقبالاً كثيفاً من المواطنين، إثر قيام صاحبها حسين مشيك، وبمبادرةٍ فردية منه، ببيع المواد الأساسية كالحبوب والسكر والطحين والزيت بسعر الكلفة، كذلك يضع يافطة خلف مكتبه كُتب عليها “لا تدفع ثمن ربطة الخبز إذا لم يتوفر لديك ثمنها”. وفي حديث لـ”نداء الوطن”، أوضح مشيك أنّ مبادرته أتت نظراً لوضع الناس المعيشي الصعب وهو يلمس ذلك يومياً في حركة المبيع والشراء، ويؤكّد أن الأسعار ستبقى ثابتة بالرغم من تقلّبات سعر الدولار.