المبلغ الخارج من النظام المصرفي منذ تشرين الأول 2019 ولغاية اليوم بلغ 9.5 مليارات دولار بحسب التقرير الأخير لوكالة التصنيف الدولية “موديز”. وهو ينقسم بالمنطق إلى عدة أجزاء وتوظيفات منها : مبالغ محولة تعود بالمباشر إلى “حسابات الودائع الخاصة بالمودعين من أفراد وشركات”. ومبالغ محولة تعود إلى “حسابات إئتمانية” fiduciary account باسم مؤسسات مالية محلية أو أجنبية، تتضمن أرصدة تعود إلى مستفيدين ثالثين غير معلنة أسماؤهم. ومن المهم بحسب رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) كريم ضاهر الفصل بينها ومعرفة كيفية توزّعها ومن هم الأشخاص المستفيدون الفعليون (UBO) من الحسابات الإئتمانية التي جرى تحويل وإعادة أرصدتها إلى المؤتمن في الخارج. وذلك بعد فرض القيود والضوابط المصرفية بصورة غير رسمية بعد تشرين الثاني 2019 طعناً بمبدأ العدالة والمساواة بين جميع المودعين. ولا سيما إذا ما كانوا من الأشخاص النافذين و/أو المعرضين سياسياً أو مصرفياً. لان “التهريب الأساسي للمتنفّذين إلى الخارج قد يكون جرى تحت ستار الحسابات الائتمانية، وبمبالغ يرجّح أنها وصلت إلى 2.5 مليار دولار في الفترة الأولى من الأزمة، وفقاً للأرقام التي جرى تداولها في الإعلام”.
الخطأ الجسيم في عدم إقرار قانون “الكابيتال كونترول” يُستكمل اليوم في محاولة إقراره مشوهاً، وفارغاً من أي بنود إصلاحية تساهم في الحد من النزيف القاتل. ناهيك عن صدوره بصورة غير متوازية وبمعزل عن تشريعات أخرى مهمة ومتممة، لا بل متكاملة، تقضي بإعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي وإجراء إصلاحات بنيوية جدية وسريعة، تعيد الانتظام للحياة المالية في لبنان. كما أنه سوف يصدر في غياب أية إحصاءات ومحاكاة رقمية دقيقة للنتائج المترتبة. ولا يأخذ في الاعتبار أية سياسات وتدابير اجتماعية مرافقة وتكميلية وطارئة لارساء شبكة أمان إجتماعي تحد من النتائج المترتبة على حرمان العديد من المودعين من أصحاب الودائع من حقوقهم ومالهم وادخاراتهم.
الظاهر أن مروجي المشروع تقصّدوا “اللعب” على توصيات صندوق النقد الدولي في ما خص القانون، لاتاحة المجال أمام المصارف ومصرف لبنان للتحرر من أي مسؤولية، لا بل الحصول على إبراء ذمة شامل ونهائي بالنسبة للمخالفات العديدة للقوانين المالية والمصرفية بصورة رجعية ونهائية. في الوقت الذي تركت التوصيات المهمة الصادرة عن صندوق النقد الدولي من دون تنفيذ، أخذ مروجو المشروع بتوصية الصندوق بعدم وضع سقوف محددة في النص القانوني للتحاويل إلى الخارج، أو السحوبات النقدية المحلية في بند الاستثناءات “على عماها”.
أكثر من ذلك فان مسودة القانون تتضمن من وجهة نظر ضاهر “أخطاء جسيمة، لا تقتصر نتائجها السلبية على عدم ضبط الرساميل، إنما التجني على المودعين، وتشريع اللامساواة وخرق الدستور. ومن هذه المواد على سبيل الذكر لا الحصر:
– تفصيل القانون على وجه السرعة لتمكين مصرف لبنان من أن “يشرع” كل ما خرج ويخرج به من قرارات استنسابية. من دون أن يعني ذلك وجود أي رقابة مسبقة أو لاحقة عليه للحد من استنسابية القرارات التي اتخذها ويمكن أن يتخذها.
– تجريد المودعين من أبسط حقوقهم. وحرمانهم نهائياً من جنى عمرهم ومورد رزقهم وضمان شيخوختهم.
– تثبيت الفرق بين الدولارات القديمة “لولار”، والعملة الجديدة “الفريش”.
– حرمان المودع من سحب أمواله بقيمتها الحقيقية والتحضير “لقصة الشعر” (Hair Cut) سواء مباشرة أو من خلال تحويل الأرصدة بالعملات الأجنبية إلى العملة الوطنية المتهاوية قيمتها (lilarification) الليلرة .
– حرمان الذين يملكون حسابات في الخارج، والتي قد تكون حسابات لتسديد أقساط جامعية لا أكثر ولا أقل، من امكانية الاستفادة من الاستثناءات.
– كما وحرمان بالموازاة كل الذين فتحوا حسابات جديدة بـ “الفريش” دولار من بعد 17 تشرين الأول 2019 لمواجهة الأوضاع وتسيير أمورهم الحياتية أو المهنية من الاستثناءات التي تشرع الحصول على قسم من أموالهم بالعملة الأجنبية. وعليه تتحول الحسابات القديمة إلى حسابات “ميتة” لا قيمة لها، إلا عند تحويل الحسابات إلى الليرة اللبنانية مع الشروط المترافقة في ما بعد.
– ضرب مبدأ المساواة والتمييز بين مودع “الفريش”، ومودع “اللولار”. وحرمان الأخير من كل الحقوق بما يتعارض مع المادة السابعة من الدستور والفقرة (ج) المتعلقة بالمساواة. ويتيح المجال للطعن به أمام المجلس الدستوري.
– يتطلب إقراره تعديل المادة 15 والفقرة (و) من الدستور المتعلقة بالملكية الفردية المحمية بموجب الدستور. وبالتالي، تأمين أكثرية موصوفة للتصويت على تعديل الدستور.
– تحضير الارضية لـ “ليلرة” الودائع.
– غياب آليات ضمان الشفافية والرقابة والمحاسبة الفعلية.
– الاخلال بالاتفاقيات الدولية. ولا سيما الفصل الثامن البند 2 (أ) من نظام صندوق النقد (Articles of Agreement).