أكد صندوق النقد الدولي أن «عدم اتخاذ إجراءات بشأن الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل يلقي بثقله على الاقتصاد اللبناني. فبعد أربع سنوات من بداية الأزمة، لا يزال لبنان يواجه تحديات اقتصادية هائلة، مع انهيار القطاع المصرفي، وتآكل الخدمات العامة، وتدهور البنية التحتية، وتفاقم ظروف الفقر والبطالة، واتساع فجوة عدم المساواة». وأشار الى انخفاض كبير في الودائع القابلة للاسترداد، داعياً الجميع الى الاعتراف بالخسائر.
واضاف: «على الرغم من بعض الاستقرار الأخير الناجم عن تقليص ديون القطاع الخاص والسياحة الموسمية، فإن التوقعات لا تزال صعبة وغير مستقرة. وفي حين أن القرارات السياسية الأخيرة التي اتخذها مصرف لبنان هي خطوة أولية مرحب بها، فإن الحل الدائم يتطلب قرارات سياسية شاملة من البرلمان والحكومة لاحتواء العجز الخارجي والمالي والبدء في إعادة هيكلة النظام المصرفي والمؤسسات المملوكة للدولة الرئيسية. وأكدت بعثة الصندوق، التي زارت لبنان عدة ايام، للسلطات والبرلمانيين على ضرورة تنفيذ برنامج إصلاحي شامل، ما ينفي ادعاءات وزراء ونواب بأن الاجتماعات «كانت ايجابية وان الامور الاصلاحية تتقدم».
وقام فريق من صندوق النقد الدولي بقيادة إرنستو راميريز ريغو بزيارة بيروت في الفترة من 11 إلى 14 ايلول لمناقشة التطورات الاقتصادية الأخيرة والتقدم المحرز في الإصلاحات الرئيسية. وفي نهاية المهمة، أدلى راميريز ريغو بالبيان التالي:
«لم يقم لبنان بالإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل، وسيؤثر ذلك على الاقتصاد لسنوات قادمة. إن الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة وحاسمة، لإطلاق الإصلاحات يترك لبنان مع قطاع مصرفي ضعيف، وخدمات عامة غير كافية، وتدهور البنية التحتية وتفاقم الفقر واتساع فجوة الدخل (بين فئات اللبنانيين) بشكل أكبر. ولا يزال معدل التضخم بثلاث خانات، مما يزيد الضغط اكثر على الدخل الحقيقي، واستمرت احتياطيات النقد الأجنبي في الانخفاض في النصف الأول من العام، بسبب تمويل مصرف لبنان للعمليات شبه المالية والعجز الكبير في الحساب الجاري.
أدى الارتفاع الموسمي في السياحة إلى زيادة تدفقات العملات الأجنبية خلال أشهر الصيف. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يستمر هذا الأمر، إلا أنه يعطي الانطباع بأن الاقتصاد قد وصل إلى أدنى مستوياته من الأزمة ويؤدي إلى الرضا عن النفس. ومع ذلك، فإن إيرادات السياحة والتحويلات المالية انخفضت بشكل كبير. ولا يوجد ما يكفي لتعويض العجز التجاري الكبير ونقص التمويل الخارجي. إن المسار الحالي للميزان الخارجي غير مستدام ويؤكد مدى إلحاح الوضع.
إن القرارات الأخيرة التي اتخذتها القيادة الجديدة لمصرف لبنان بالتخلص التدريجي من منصة الصيرفة، وإنشاء منصة تداول للعملات الأجنبية ذات السمعة الطيبة والشفافة، وإنهاء السحب من احتياطيات العملات الأجنبية، والحد من التمويل النقدي، وتعزيز الشفافية المالية، هي خطوات في الاتجاه الصحيح. ومع هذا التقدم، هناك الآن فرصة لإجراء إصلاحات شاملة لتعزيز حوكمة مصرف لبنان، وعملياته المحاسبية، وعمليات صرف العملات الأجنبية بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية. وعلاوة على ذلك، ينبغي توحيد جميع أسعار الصرف الرسمية بسعر صرف السوق، وهو ما من شأنه أن يساعد في القضاء على فرص المراجحة والسعي وراء الريع الذي يضع عبئاً على المالية العامة.
يجب دعم هذه الخطوات من خلال قانون قيود رأس المال والسحب (كابيتال كونترول)، واستكمالها بإجراءات سياسية من الحكومة والبرلمان للحد من العجز المزدوج ومعالجة المشكلات في القطاع المالي من خلال الاعتراف بالخسائر والمضي قدماً في إعادة هيكلة البنوك.
تحتاج الحكومة إلى تنفيذ استراتيجية مالية متماسكة لاستعادة القدرة على تحمل الديون وإفساح المجال للإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنية التحتية. ولكي تكون هذه الاستراتيجية فعالة، يمثل تحسين تعبئة الإيرادات أولوية حاسمة. وقد اتخذت الحكومة إجراءات تدريجية نحو تعديل تحصيل الإيرادات بما يتناسب مع احتياجاتها مع انخفاض سعر الصرف من خلال اعتماد معدل أكثر واقعية لتقييم القاعدة الضريبية وإعادة تعديل جداول الضرائب والرسوم إلى قيم معقولة، مما أدى إلى زيادة الإيرادات بشكل ملحوظ. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به. لا تزال ميزانية 2023 تفتقر إلى التوقيت المناسب والتغطية لا تعكس بدقة المدى الحقيقي للعجز والأثر النقدي والمرتبط به. ويجب أن تضمن ميزانية 2024 المقترحة أنها متسقة مع عملية توحيد سعر الصرف، التي بدأها مصرف لبنان، وتجنب المعاملة التفضيلية لبعض دافعي الضرائب على غيرهم. وينبغي أن تتضمن أيضاً موارد كافية لإعادة بناء الإدارة الضريبية لتعزيز الامتثال وتحسين العدالة الضريبية. وفي هذا الصدد، نشجع السلطات على البدء في تنفيذ العناصر الرئيسية لتوصيات إصلاح السياسة الضريبية التي اعدها الصندوق، والمنشورة في تقرير المساعدة الفنية لعام 2023 بشأن إعادة السياسة الضريبية إلى المسار الصحيح، والبدء في خطط إعادة تأهيل الشركات الكبرى المملوكة للدولة.
أخيراً، لم يتم بعد وضع خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. وقد أدى هذا التقاعس عن العمل إلى انخفاض كبير في الودائع القابلة للاسترداد وعرقلة توفير الائتمان للاقتصاد. وبينما يتقدم العمل بشكل جيد بشأن قانون منقح لهيكلة البنوك، إلا انه لا بد من استكماله حتى يمكن تقديم القانون إلى البرلمان. ولا تزال التعديلات على قانون السرية المصرفية والتي تهدف إلى معالجة أوجه القصور، ومشروع قانون ضوابط رأس المال وسحب الودائع، في انتظار موافقة البرلمان».