الأكيد أنّه ما زال أمام حكومة الدمى في تحقيق الإنجازات، شوط طويل لتقطعه، حتى تتمكّن من تحقيق أي تغيير فِعلي يُذكر، بخاصة في ملفّ الكهرباء المُزمن. ومع بدء موجة حرارة شهر آب العالية، شهد محيط وزارة الطاقة إحتجاجات وتدافعاً ومواجهات، بين عددٍ من الناشطين والمتظاهرين والقوى الأمنية، بعدما نفّذ عدد من المواطنين وقفة احتجاجية تنديداً بانقطاع الكهرباء والتقنين القاسي في مُعظم المناطق اللبنانية، وللمطالبة بإقالة كل المسؤولين بسبب تردّي الخدمات وانعدام الحلول الجذرية.
لم يعد اللبنانيون يُطيقون أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن منازلهم وشركاتهم ومتاجرهم، وهو ما حرّكهم للإحتجاج أمام وزارة الطاقة، والذي تفاقم إلى حدّ نصب الخيم ومحاولة دخول بعضهم إلى الباحة الداخلية في الوزارة، ما أدّى إلى حصول إشكال وتدافع بينهم وبين القوى الأمنية التي حاولت استخدام القوة في التعامل مع المسألة، واعتقال المحامي الناشط واصف الحركة، وحصر المُعتصمين في مكان واحد من جهة، ومنعهم من قطع الطريق من جهة أخرى.
قمع ووعود
كالعادة، لم تجد مؤسسة الكهرباء أمامها غير الإستعانة بالأمن لقمع المُحتجّين، وإطلاق الوعود المُعتادة بتحسّن الوضع مع “وصول شحنات المحروقات بالإضافة إلى وصول الباخرة التي تُشغّل معملي الزوق القديم والجية”. أما الأسوأ من الحلّ الوهمي الذي افترض وزير الطاقة ريمون غجر أنّه يمكن استخدامه وصفة سحرية لحلّ أزمة الكهرباء، إصراره على تجاهل مطالب المُحتجّين المشروعة، واللجوء إلى القمع العلني للمُعتصمين. كان يُمكن اعتبار خطط وزير الطاقة وحلوله في بداية تولّيه الحكم، مجرّد سوء تقدير، ولكن تصريحاته الأخيرة في زمن يُنذر المراقبون فيه لبنان، من عتمة تامة مع مطلع سنة 2021، كشفت عن قصور واضح في الدراية التقنية، بالإضافة إلى غياب لأي نية في الإصلاح أو التغيير، أو محاربة الهدر والفساد.
الحركة: الدخول مشروع
“مشكلة معظم الوزارات حالياً وأهمّها وزارة الطاقة الـ”بلا طاقة” أنها في حالة تيهٍ ومن دون بوصلة، وبلا توجّهات واضحة”. بهذه الكلمات وصف المحامي واصف حركة لـ”نداء الوطن” الإشكالية الأساسية لمعاناة المواطنين، وأوضح أنّه لا علاقة لهم “كمواطنين بكلّ المُناكفات السياسية الدائرة بين الأطراف المُتنازعة على السلطة” وأنّ لهم “الحقّ في الحصول على حياة كريمة”، وأنّ “هذه الوزارة نهبت المال العام اللبناني ومن دون الوصول إلى نتيجة فعلية، بالرغم من كلّ الأموال التي تمّ هدرها”. وأضاف: “من الصعب السكوت عن مُعاناتنا، ولا عن نهب أموالنا العامة والخزينة مهما كلّفتنا المواجهة”. وشدّد على أنّ “الدخول إلى أيّ وزارة مشروع، لا بل أن جميع الوزارات هي هدف واضح لنا، لتحريرها من السرقات، وليس للإعتداء عليها أو احتلالها”.
وختم الحركة قائلاً: “ليس الفقر والبطالة وتأمين المستلزمات المعيشية الأساسية ما يشغل الشعب اللبناني فحسب. فبالتزامن مع انهيار شبه تامّ لمنظومة الطاقة الكهربائية، وصل إلى قطع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة في اليوم في بعض المناطق وبات الوضع لا يُطاق ولا يُسكت عليه. كما تسجّل درجات الحرارة والرطوبة، في مختلف المدن اللبنانية، معدّلات قياسية، قاربت الأربعين درجة مئوية، مع استمرار فرض وزارة الداخلية حالة التعبئة العامة التي تقتضي حظر التجوّل والإغلاق شبه التام، لمواجهة تفشي فيروس “كورونا”. وقد تحوّل انقطاع الكهرباء وجهاً ثابتاً من أوجه نمط الحياة، وما زاد الطين بلّة انقطاع المازوت ورفع تعرفة المولّدات”.
لم تمنع أشعّة الشمس الحارقة المُسنّ خالد مظلوم، من المشاركة في الوقفة الإحتجاجية، وقد أشار في حديثه لـ”نداء الوطن” إلى أنّ أزمة انقطاع الكهرباء انعكست بوضوح على مجريات حياته اليومية، وطاولت شتّى المجالات التجارية والصحّية والعملية لأغلبية المواطنين، وأدّت لاعتماد العديد على المولّدات بشكل أكبر”. وأضاف: “يُسيطر الغضب علينا كمُسنّين من جرّاء تهاون سلطات البلاد في حلّ هذه الأزمة التي تؤثر بالدرجة الأولى على صحّتنا، فمنّا من يحتاج جهاز الأوكسجين، ومنّا من لا يتحمّل قلبه الحرّ والدرجات المرتفعة”. وتساءل: “أيُعقل أن يعود لبنان للعصر الحجري بالتزامن مع إطلاق الإمارات لـ”مسبار الأمل” إلى المرّيخ”. وختم: “كمُسنّ، أعلم تماماً الفرق بين الدواء والمُسكّن، وما تقوم به الوزارة حالياً هو اعتماد المسكّنات”.
من جهته شكا المتظاهر بلال علّاو “من المافيات في كلّ قطاعات الدولة”، وتابع: “مافيات للكهرباء، مافيات للمولّدات، مافيات للدولار، مافيات للمازوت ومافيات للتهريب…” وأكمل علّاو: “نصبنا خيماً علّنا نستطيع إيصال صوتنا. وبالرغم من كل ما حصل، لم توضح وزارة الكهرباء أيّ تفاصيل حول التردّي الواضح في تأمين الكهرباء، بينما يعتمد السكّان لتأمين التيار الكهربائي على المولّدات التي رفعت من أسعار وحدات الطاقة وِفقاً لارتفاع سعر المازوت في السوق السوداء، وهو ما يشكّل عبئاً مادياً إضافياً على الناس، فمنهم من لم يتمكّنوا من دفع التكاليف، ما أدّى إلى قطع التيار الكهربائي عنهم، ومن الطبيعي جداً الإحتجاج للمُطالبة بأدنى مُتطلّبات الحياة وأسخف الحقوق”.
إلى ذلك، استغربت المعتصمة سالي يمّين عدم تفاعل الوزير مع حالة السّخط هذه، وتخوّفت من تفاقم الوضع مع مرور الوقت. وأوضحت أنّ “التيار غير المُنتظم أثّر على أجهزة المنزل الكهربائية، ويومياً ندفع مبالغ طائلة في تصليحها، بخاصة مع تدهور سعر الصرف، وواضح أنّنا نتراجع الى الوراء أكثر فأكثر”.
ختاماً، يبدو أنّ خطاب مُحاربة الفساد والهدر الذي رفعته هذه الحكومة، وفي طليعتها وزارة الطاقة هو ذاته سبب سقوطها السريع، بعد انكشاف فضيحة سوناطراك، والسؤال الأهمّ اليوم: “متى سيتوقّف منهج تصريف الأعمال هذا؟ وكم من نسخة احتجاجية يحتاجون للبدء في تطبيق الحلول الجذرية”؟