تبدو محاولات إعادة الانتظام إلى عمل مصلحة تسجيل السيارات، بعد الفضائح التي أثارها تورط شبكة واسعة من موظفيها والسماسرة في عمليات “فساد”، من دون مستوى الآمال. فالتشوهات التي خلفها تحكم أصحاب النفوذ بحركة القطاع يولد انطباعات بأن ضمانة بقاء النافعة أو انهيارها لا تزال بأيدي المتسببين بانهيارها، لاسيما أن قنواتها لا تزال مفتوحة أمام مكتسباتهم.
إنكربت والدولة
فبالتزامن مع الخضة التي أثارتها منتصف الشهر الجاري مذكرة رسمية صدرت عن رئيس مصلحة تسجيل السيارات بالتكليف، الرائد محمد عيد، بمنع دخول معقبي المعاملات الذين احتكروا جدول مواعيد منصة تسجيل السيارات، وقبضوا على مجمل القدرة الإنتاجية للنافعة، كان لافتاً أيضاً صدور رأي استشاري عن ديوان المحاسبة، أتاح لهيئة إدارة السير تسديد الفواتير الصادرة عن شركة إنكربت، الملتزمة خدمات النافعة، وفقاً لسعر الصرف المعتمد من قبل مصرف لبنان بتاريخ الإيفاء.
هذا الرأي رأى فيه المحامي علي عباس، عضو المرصد الشعبي لكشف الفساد، في اتصال مع “المدن”، انقلاباً على رأي سابق للديوان، أخضع المستحقات غير المسددة، لقرار مجلس الوزراء الرقم 13 الصادر منذ سنة 2022، والذي يحدد معايير موحدة لمعالجة تداعيات الأزمة المالية والنقدية على عقود الأشغال والخدمات العامة. وسأل عباس “لماذا غيّر الديوان رأيه؟ هل بسبب الضغوط التي تحصل؟ وهل هذا يعني أن شركة انكربت أقوى من الدولة؟ وإذا كان ذلك غير صحيح، لماذا لم يطبق وزير الداخلية رأي ديوان المحاسبة السابق، ولماذا لم تُقدم حتى الآن شكاوى قضائية على ما ارتكبته إنكربت من تجاوزات؟ وهل نحن أمام قرصنة للمرفق العام؟
في المقابل، شرح مصدر في ديوان المحاسبة لـ”المدن”، “أن موضوع التسعير ينفصل عن متابعة الحسابات التي تعود للإدارة. موضحاً أن القرار رقم 13 واكب مرحلة عدم استقرار الليرة. أما اليوم فهناك متغيّر أساسي يتعلق بثبات سعر صرف الدولار، وبالتالي إذا كان العقد الموقع مع إنكربت بالدولار فيجب تسديد ما يوازي قيمته بالدولار أيضاً.”
ولكن إذا كان “مبدأ العدالة والإنصاف يقوم على إعطاء كل صاحب حق حقه، خصوصاً إذا كان التأخير في تسديد المستحقات ناتج عن الإدارة”، فقد لفت المصدر بالمقابل إلى ما تضمنه الرأي الإستشاري الأخير من تشديد على أن “استكمال المشروع من قبل الملتزم الحالي، والذي ينتهي عقده (بعد الأخذ بقوانين تعليق المهل) في 25 شباط من العام 2025، لا يجب أن يؤخر أو يحول دون مبادرة الإدارة ومن دون إبطاء إلى إطلاق مناقصة جديدة شفافة لتلزيم هذا المرفق الحيوي، بالإضافة إلى اتخاذ كل التدابير والإجراءات الإدارية والقانونية، بسبب قيامه بتعطيل مصالح الدولة المالية ومصالح المواطنين، ومن ضمنها تطبيق أحكام النكول أو عدم الإلتزام بحقه في حال توفر شروطه، ومتابعة ملاحقته جزائياً أمام المراجع المختصة، ومطالبته بالتعويض عن كافة الخسائر التي تسببت بها أفعاله على الإدارة وعلى المالية العامة”. وهذا ما اعتبره المصدر منسجماً تماماً مع رأيه السابق الصادر في شهر آب من العام 2023 والذي كان قد طالب بملاحقة المتعهد جزائياً أمام النيابة العامة التمييزية.
عرقلة إنكربت
ومع ذلك لا يبدو أن إنكربت مستعدة لتبديد الشكوك التي تحوم حول مجمل ملفها المفتوح على إخبارات قضائية ودعوات الملاحقة، لا بل امتنع طاقمها كما فعل القيمون على إدارة الهيئة سابقاً، حتى عن التعاون مع لجنة تقصي الحقائق بملف شركة إنكربت، وهو ما شكل عرقلة من قبلهما لعمل اللجنة التي تسعى لإصدار تقريرها قريباً.
اقترب عقد تلزيم الشركة من نهايته، حضر في اجتماع وزير الداخلية مطلع الأسبوع الماضي مع رئيس لجنة الأشغال النيابية سجيع عطية، ورئيس لجنة تقصي الحقائق المنبثق عنها النائب إبراهيم منيمنة، في حضور القاضي مروان عبود الذي يرأس هيئة إدارة السير بالتكليف. وبحسب منيمنة، فإنه سمع خلال اللقاء أن الهيئة تعد دفتر شروط يفترض أن يكون جاهزاً خلال فترة شهر. إلا أنه وفقاً لمعلومات “المدن”، فإن تفاصيل مثل هذا التلزيم الذي يفترض أن يتم وفقاً لقانون الشراء العام، لم يناقش حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في هيئة الشراء بعد. علماً أن الهيئة لا تزال تنتظر منذ نحو عام تعديلات هيئة إدارة السير لدفتر شروط تلزيم خدمات الكشف الميكانيكي، والذي لم يعد إطلاقه مجدداً حتى الآن. وهذا في وقت لفت عباس لكون شركة إنكربت “لم تقم بتدريب أي موظف من النافعة على أنظمتها التي يفترض أن تحوّل للدولة، ولا يستطيع أحد من طاقم الموظفين الرسميين الدخول إلى الأنظمة التي تحتجز إنكربت كلمة العبور لها. وهذا دليل على أننا نفتقد السيطرة على هذا المرفق العام، وهو مقرصن من قبل شركة إنكربت التي تأخذ اللبنانيين والداتا المتعلقة بهم رهينة”.
تطرق اجتماع وزارة الداخلية وفقاً للمعلومات لموضوع موظفي هيئة إدارة السير أيضاً، إلا أن المدخل لذلك لم يكن تمكين المكلفين حالياً في إدارة المرفق بعد إنتهاء عقد إنكربت، وإنما فتح النقاش مجدداً على طرح إعادة مجموعة من الموظفين القدامى إلى وظائفهم. هذا الأمر وفقاً لمنيمنة لم يحظ على توافق الحاضرين، وأبدى معارضته المعلنة لذلك، مذكراً بإقتراح القانون الذي كان قد تقدم به في شهر تشرين الثاني من العام 2023، والذي يقضي “بوضع الموظفين المدعى عليهم من قبل النيابات العامة بتصرف رئيسهم التسلسلي أو المرجع المختص بتعيينهم لحين صدور قرار بمنع المحاكمة عن قضاة التحقيق، أو حكم أو قرار مبرم بالبراءة أو بعدم كفاية الدليل عن المحاكم المختصة.”
موازنة النافعة
لا ينفصل الحديث عن نقص الموظفين الذي يعيق تشغيل النافعة بطاقتها القصوى في المقابل، عن موضوع الأموال غير المتوفرة، والتي يبدو أنها شكلت ذريعة لتشكيل ما سمي بـ”صناديق دعم”، ابتدعت بغطاء سياسي، لتسهيل معاملات أصحاب معارض السيارات المستعملة المستوردة من الخارج، فغنم هؤلاء بتفرغ موظفي النافعة لخدمتهم يومين في الأسبوع. إلا أن انفجار أزمة المعقبين الذين تقرر إخضاعهم لقانون السير الصادر منذ سنة 2012، سلّط الضوء على مزارب الرشاوي والخوات التي شكلتها هذه الصناديق، وصولاً للمطالبة بوقفها فوراً، والعودة إلى الطرق القانونية لتمويل نفقات المصلحة من وارداتها حصراً. أما اللافت في هذا الإطار فهو عدم وضع موازنة واضحة وشفافة للنافعة منذ نحو خمسة أعوام تقريباً. وهو ما طرح أيضاً في اجتماع وزارة الداخلية، بمقابل تشديد منيمنة في تصريح لـ”المدن” على “ضرورة ضبط الموازنة، وإلغاء الأيام المخصصة للمعارض، بعدما تحولت قناة للفساد.” هذا في وقت استغربت مصادر مطلعة أن تكون الهيئة الساعية لتأمين التوازن المالي في تصفية الحسابات مع شركة إنكربت هي نفسها من يغفل وضع الموازنة التشغيلية للمصلحة حتى الآن.
رغم كل ما تقدم ثمة بصيص نور ظهر من خلال صدور مذكرة وقف عمل المعقبين في النافعة”، إلا أن الشكوك لا تزال تحوم حول تطبيقها بنيات إصلاحية. علماً أن المذكرة وفقاً لمعقب المعاملات الذي يحمل صفة “كاشف فساد” شاكر طالب، “ملغومة” بموضوع الوكالات والتي اعتبرها طالب في اتصال مع “المدن” بدعة تفتح الباب واسعاً أمام الإلتفاف على تطبيق القانون. طارحاً تساؤلات حول ما “إذا كان الهدف من مذكرة تطبيق القانون هذه، مجرد ردة فعل على ما كشف من إرتكابات، وهدفها محصور بحماية من هم متورطين مع السماسرة في الداخل”.