آخر فصول فضائح «النافعة» ومجلس إدارتها السابق برئاسة هدى سلوم، أن شركة «إنكريبت» المشغّلة للمصلحة منذ سبع سنوات تعمل من دون عقد، وقد استعيض عنه بتوقيع دفتر الشروط الذي رست على أساسه مناقصة التلزيم على الشركة التي يمتلكها هشام عيتاني المقرّب من نادر الحريري، مدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وتربط عيتاني علاقات قوية بمراجع عدّة في الدولة، وخصوصاً مع الوزراء الذين تعاقبوا على تولّي حقيبة وزارة الداخلية.
ومنذ ستة أشهر، تتهرّب الشركة من تلبية طلب الإدارة الجديدة لمصلحة النافعة تزويدها نسخة عن العقد الموقّع، متذرّعة بأن ذلك من مسؤولية الإدارة السابقة المتّهم عدد كبير من أركانها بالفساد ومخالفة القوانين وتقاضي الرشوة، قبل أن تفضي التدخلات السياسية مع القضاء إلى إخلاء سبيلهم قبل أشهر.
وتمكّنت إدارة «النافعة» أخيراً من الحصول «من مصدر خاص» على نسخة من دفتر الشروط الذي أُجريت على أساسه مناقصة تلزيم 5 خدمات في النافعة لـ«إنكريبت» بقيمة 174 مليوناً و980 ألف دولار لمدة سبع سنوات، تقاضت منها الشركة 123 مليوناً حتى الآن. وتبيّن أن العقد هو عبارة عن ورقة «يتيمة» أُلحقت بالدفتر ووقّعتها هدى سلوم وشركة «إنكريبت»، واعتُبرت بمثابة عقد. وهي تضمّنت جملتين تقر فيهما «إنكريبت» بالتزامها تنفيذ دفتر الشروط، مع تحديد القيمة والعملة فقط لا غير، من دون ذكر أي بنود تنظيمية محدّدة للعلاقة بين الطرفين.
وبحسب المعلومات، فقد استشارت إدارة النافعة هيئة القضايا والتشريع في وزارة العدل. ووجّهت، بناءً على رأيها، إنذاراً إلى الشركة بضرورة استئناف العمل بعدما أقفلت النظام الإلكتروني وعطّلت إنجاز المعاملات والخدمات منذ ثلاثة أسابيع، بحجة عدم تقاضي مستحقّاتها. وتنتظر الإدارة رأياً استشارياً طلبته من ديوان المحاسبة حول كيفية احتساب متأخّرات الشركة، البالغة 60 مليار ليرة، تريدها الأخيرة بالدولار. إلا أن البحث وفق المعلومات لن يقتصر على شكل المحاسبة المفترض اتّباعه وإلزام «إنكريبت» به، للعودة إلى العمل، إنما سيتفرّع عنه ملف منفصل يتم التحقيق به في الديوان عنوانه غياب العقد بين الشركة والمصلحة.
ومعلوم أن أيّ عقد بين الدولة وطرف آخر، تكون فيه الدولة هي الطرف الأقوى، ويكون العقد ملكها. ويجزم قانونيون، بأن وزير الداخلية بسام المولوي وهيئة إدارة السير لا يزالان «يغنّجان» الشركة، ويعتبران أن «إنكريبت» تُعتبر أنها «خالفت موجباتها التعاقدية وعطّلت المرفق العام، وينبغي اتخاذ إجراءات بحقها لناحية مصادرة الكفالة المالية التي يضعها عادة الطرف الملتزم تنفيذ العمل». كما يرى القانونيون أنه «يُفترض أن يُستكمل المسار عبر تلزيم شركة جديدة، والفروقات المالية التي قد تنتج عن توقف العمل، تتحمّلها إنكريبت، وفق القانون، لأنها تسبّبت بتعطيل المرفق العام. كما يمكن للإدارة في مثل هذه الحالة الحجز على أموال الشركة، من خلال تنفيذ سند تحصيل يصدر عن وزارة المالية بطلب من وزير الداخلية».
ويجمع أصحاب هذا الرأي على أن «الاستعاضة عن العقد بدفتر شروطٍ ممكنة في مناقصات شراء لوازم مكتبية على سبيل المثال، إذ تكون المواصفات والكمية وتواريخ التسليم والدفع محدّدة، وتنتهي علاقة الدولة بالجهة الملتزمة بانتهاء عملية التسليم». أما في حالة «النافعة»، فإن التلزيم يشمل تقديم خمس خدمات، هي مجمل خدمات المصلحة التي كان على الشركة تأمينها وتنظيم العمل على مدى سنوات. وبمعنى آخر، فإن «العلاقة مستمرة بين الدولة والشركة، وهي تحتاج إلى شروطٍ تنظيمية للمرفق العام لا بدّ من عقدٍ يذكرها». وفي الأساس فإن مجلس إدارة الهيئة خالف صيغة التعاقد بين الإدارة والشركات، إذ إنّ النص القانوني في قانون المحاسبة العمومية يتحدّث عن «توقيع العقد»، أما دفتر الشروط فجعله متعلّقاً بمرحلة الاشتراك بالمناقصة فقط.
وعلمت «الأخبار» أن «إنكريبت» استوردت عامي 2016 و2017 بضاعة لصالح «النافعة» بأوامر مباشرة صادرة عن الهيئة، في حين أنّه يفترض بالهيئة أن تصدر كل عام أمر مباشرة للشركة تحدد فيه الكمية المطلوبة والقيمة المالية (30 مليار ليرة سنوياً). أضف إلى ذلك أن وجود «إنكريبت» هو أصلاً مخالف للقانون، وفق قرارٍ صادرٍ بتاريخ 19/7/2022 عن ديوان المحاسبة، يعتبر فيه أن المناقصة التي أتت بالشركة «مخالفة للقانون وأساسها باطل، وما بُني على باطل فهو باطل»، وقضى بمعاقبة مجلس الإدارة الذي وافق على المناقصة في حينها. ورغم ذلك استمرّت الشركة في العمل، ولم يحرّك وزير الداخلية بسام المولوي ساكناً تجاه الملف.
مناقصة الميكانيك
علمت «الأخبار» أن دفتر الشروط صار جاهزاً لإجراء مناقصة لتلزيم المعاينة الميكانيكية، على خمس سنوات. ويُفترض أن يُنشر في اليومين المقبلين على الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام. وسيُسعّر رسم المعاينة بالدولار، ويتم الاستيفاء بالليرة وفقاً لسعر دولار السوق الموازية.