لليوم الخامس على التوالي، تستمرّ فعاليّات اجتماعات الخريف التي يستضيفها صندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن، فيما تتابع “المدن” عبر مصادرها الجانب المتعلّق بالشأن اللبناني في تلك الاجتماعات. ومن خلال لقاءات المسؤولين اللبنانيين مع المؤسّسات الماليّة الدوليّة والدبلوماسيين الأجانب، بدأت تتضح أكثر مقاربات الأطراف المحليّة والأجنبيّة المختلفة، من كل ملف مالي شائك.
نقاش قانون الفجوة الماليّة
النقاشات الدائرة حالياً في واشنطن أوحت بأنّ وزارة الماليّة ومصرف لبنان تمكنا، قبل التوجّه إلى الاجتماعات، من تذليل بعض الخلافات المتعلّقة بقانون الفجوة الماليّة. فبخصوص احتياطات الذهب مثلاً، بات ثمّة اتفاق بين الطرفين على الابتعاد عن فكرة بيع احتياطات الذهب اللبنانيّة، ولو جزئياً. بل وبات من الواضح أن الطرفان لا يرغبان حتّى بربط الاحتياطات بأي مجازفات، من قبيل التأجير أو الاستثمار أو الرهن وغيرها.
وتشير المصادر المتابعة لتلك النقاشات إلى أنّ مصرف لبنان ليّن موقفه بهذا الخصوص، بعدما أبدى في أوقات سابقة حماسة أكبر لاستخدام الذهب. وتربط المصادر هذا التحوّل في موقف المصرف المركزي بما استجد في الأسواق الدوليّة، من ارتفاعات مفاجئة في أسعار الذهب العالميّة، مع وجود توقّعات باستمرار ارتفاع الأسعار حتّى أواخر العام المقبل، في ظل الخوف من تراجع قيمة الدولار على المدى البعيد. وهذا ما يجعل التفريط بهذه الثروة الاستراتيجيّة فكرة غير سديدة على المدى البعيد.
ومع ذلك، تشير المصادر إلى أنّ مصرف لبنان ما زال يطرح أفكاراً أكثر تواضعاً، من قبيل إيداع جزء من هذه الاحتياطات على سبيل الأمانة لدى مؤسّسات دوليّة. غير أنّ المصادر تؤكّد أنّ طرح هذه الأفكار ما زال قيد التداول، من قبيل العصف الذهني، فيما بات من المستبعد الذهاب أبعد من ذلك في فكرة “استخدام الذهب”، التي نالت قسطاً كبيراً من النقاش خلال الفترة الماضية.
التفاهم بخصوص مستقبل الذهب، سهّل الاتفاق بين الطرفين بخصوص “الضمانات” التي سيحصل عليها المودعون، في مقابل أي سندات سيحصلون عليها مستقبلاً. إذ بات من الواضح أن وزارة الماليّة والمصرف المركزي باتا يميلان معاً إلى اعتبار جميع موجودات المصرف المركزي، بما فيها الاستثمارات والعقارات والذهب، ستكون بحد ذاتها ضمانة لأي سندات سيتم إصدارها للمودعين، من دون وضع امتيازات أو رهونات محددة مقابل السندات.
وزير الماليّة ياسين جابر كرّر خلال اللقاءات المقاربة التي خلصت إليها وزارته، والتي تعتبر أنّ مصرف لبنان يعاني من أزمة سيولة، لا من أزمة ملاءة. وفي هذه المقاربة إشارة إلى إمكانيّة تحقيق التوازن بين الموجودات والمطلوبات على المدى البعيد، بعد التخلّص من الفجوة القائمة في الميزانيّة بأدوات باتت جاهزة، وإن لم تتوفّر السيولة الكاملة في الوقت الراهن. وهنا، يأتي دور أدوات الدين، مثل السندات، التي يمكن أن تتدرّج في تسديد أموال المودعين على مراحل.
دين الـ 16.5 مليار دولار
على مستوى مشكلة دين الـ 16.5 مليار دولار، الذي يطالب به مصرف لبنان، كدين على الحكومة، لمصلحته، بدأت تتضح شيئاً فشيئاً تفاصيل التسوية التي تم الاتفاق عليها.
فاللجنة الثلاثيّة التي ستتولّى التدقيق بشأن هذا الدين، ستضم من وزارة الماليّة: الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمّود، ومدير الخزينة السابق إسكندر حلاق، والاستشاري المالي حسين طرّاف. أمّا عن مصرف لبنان، ستضم اللجنة كل من نائب الحاكم مكرم بونصّار، ومدير المحاسبة في المصرف محمد علي حسن، بالإضافة إلى مدير الاستقرار المالي رودولف موسى. ومن المفترض أن تنضم إلى اللجنة شركة KPMG، كمدقّق مستقل ومحايد.
وتشير مصادر المصرف المركزي إلى أنّ مصرف لبنان يتحدّث عن آلاف العمليّات التي تم قيدها على هذا الحساب، ما أدّى إلى خروج 79 مليار دولار كنفقات حكوميّة، مقابل ورود 62.5 مليار دولار كواردات، ما أفضى إلى انكشاف الرصيد على الدين الذي يطالب المصرف المركزي. أمّا وزارة الماليّة، فتعتبر أن الجبايات الضريبيّة بالليرة كانت تغطّي النفقات التي يتحدّث عنها مصرف لبنان، ما يجعل هذه النفقات مجرّد عمليّات قطع، لا ديون على الدولة اللبنانيّة.



