بعد عام ونصف العام على كف يد عدد من مجالس إدارات بعض المصارف، وتعيين مدراء مؤقتين، لم تشهد تلك المصارف أي تغييرات، ولم يصدر عن مدرائها الجدد أي تقارير، باستثناء الإجراء الذي اتُخذ بحق رئيس مجلس إدارة بنك الإعتماد المصرفي السابق طارق خليفة.
وعلى الرغم من الشبهات الكثيرة التي تحوم حول أداء خليفة منذ عامين، إلا أن قرارات من هيئة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان صدرت مؤخراً بحق خليفة وأفراد عائلته ومدراء آخرين بالمصرف عينه، تمثلت بتجميد الحسابات المصرفية في كل المؤسسات المالية والخزائن لكل من خليفة وأفراد عائلته، والمديرة العامة للمصرف نائلة زيدان.
قرارات هيئة التحقيق الخاصة وإن كانت تشكّل بداية متأخرة لمسيرة المحاسبة، إلا أنها في الوقت عينه تشكّل إجراءً فريداً لم يشهد القطاع المصرفي له مثيل منذ بداية الأزمة عام 2019. فالمدير المعني بقرارات هيئة التحقيق الخاصة، سبق له أن تلقى دعماً من جمعية المصارف بوجه القضاء اللبناني، حيث أمنّت له الحماية والتغطية لكل تجاوزاته.
ولم تكن جمعية المصارف لتؤمّن الحماية للمصرفي طارق خليفة، ما لم تكن مسيرة مصرفييها ومصارفها حافلة بالمخالفات والتجاوزات وانتهاك القوانين. من هنا لا بد من السؤال عن مصير التحقيقات بحق المصارف التي تم تعيين مدراء مؤقتين عليها منذ قرابة العام ونصف العام، ومنها بنك البركة الذي تم تعيين أحمد صفا مديراً مؤقتاً عليه، بدلاً من المدير السابق عبدالله مبارك، الذي لم يُحرز أي تقدم بالمصرف، كما حصل ببنك الاعتماد الوطني الذي كف مصرف لبنان يد مجلس إدارته وعيّن سمير حمود مديراً مؤقتاً عليه، وفيدرال بنك الذي تسلّم إدارته موقتاً سعد العنداري.
اختلاسات وفضائح صيرفة
اقترافات مدير بنك الاعتماد المصرفي السابق طارق خليفة ليست مستجدة، فالرجل تعرّض للملاحقة منذ أكثر من عامين، لادعاءات بحق إدارة المصرف. وقد تم توقيف خليفة في مطار بيروت مطلع شهر آب 2022 بناء على شكوى جزائية بحقّه أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. وقد مورست آنذاك ضغوط كبيرة من جمعية المصارف للإفراج عن خليفة ووقف التحقيقات بشأن مخالفاته، حتى أن الجمعية هددت بالإضراب العام ما لم يُفرج عن خليفة، وهو ما حصل فعلاً بعد أيام قليلة من توقيفه ودفعه كفالة بقيمة مليون و500 الف دولار.
خليفة المدعوم من جمعية المصارف اقترف العديد من المخالفات، ومنها ما يرقى الى مستوى الجريمة، يقول مصدر مطلع على الملف في حديث الى “المدن”، والتغطية التي نالها من جمعية المصارف سابقاً غير متوفرة حالياً. فالرجل بات مكشوفاً والتحقيقات الجارية ستكشف حجم تجاوزاته وتماديه على أموال المصرف التي هي أموال المودعين.
وحسب المصدر، هناك اختلاسات مالية جرت في بنك الاعتماد المصرفي تُضاف إلى ملف دولارات صيرفة وسوء استخدامها، لاسيما أن المصرف المذكور كان من بين المصارف المعتمدة من قبل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، لجمع الدولارات من السوق. ويكشف المصدر عن أن التحقيقات لا تقتصر على الأرباح الهائلة التي حققها المصرف من منصة صيرفة، إنما أيضاً تشير إلى وجود شبهات حول تبييض أموال، “من هنا ليس من مصلحة محمد بعاصيري المدير المؤقت أو أي من المصرفيين توفير التغطية والحماية لبنك الاعتماد المصرفي”، يقول المصدر.
من التالي؟
بناء على تحقيقات هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان المركزي، باشرت الهيئة بجمع البيانات من المصارف اللبنانية والمؤسسات المالية والصناديق الائتمانية، حول الحسابات المصرفية لخليفة. ولا يستغرب المصدر بأن تنسحب تلك التحقيقات على عدد من المصارف، لاسيما ان خليفة، حسب ما نُقل عنه، يرفض أن يكون “كبش محرقة” ويتمسك بتوسيع التحقيق مع باقي المصارف. وهو العارف بخبايا القطاع المصرفي وارتكابات المصرفيين، والواثق أيضاً بان مسألة المحاكمة والمساءلة مُستبعدة في الوقت الراهن.
وإذ يسأل البعض “لماذا لا يتم تعليق حسابات كافة إدارات المصارف وفتح تحقيقات بشفافية أعمالها جميعها؟ يأمل المصدر بأن “تكر السبحة” إلى باقي المصارف، وإن كان قرار فتح تحقيقات بشأن مخالفاتها أمراً غير يسير، لاسيما فيما خص ملف صيرفة. وهو أحدث التجاوزات التي ارتبكتها المصارف وجنت من خلالها مئات ملايين الدولارات.
مع الإشارة إلى أن مصرف لبنان متريّث، أو ربما متردّد حتى اليوم، بفتح ملفات مصرفي الاعتماد الوطني المملوك من نادر الحريري وهشام عيتاني، وبنك البركة، على الرغم من كل ما يتم تسريبه عن تجاوزات وارتكابات مالية لم يتم البت بها من قبل هيئة التحقيق الخاصة.