بعد رفع كلفة الاتصالات في شركتي الهاتف الخليوي على سعر منصة صيرفة، عادت وزارة الاتصالات لتحصّل إيرادات كبيرة. ويبدو أن الوزير جوني قرم لا يعرف كيف ينفقها. فرغم الهدر الكبير والإنفاق العشوائي في سنوات ما قبل الأزمة، الذي تحدث عنه تقرير ديوان المحاسبة، ها هي وزارة الاتصالات تعود إلى الأيام الخوالي، عقب نحو سنتين ونصف السنة من الأزمة التي تراجعت فيها مداخيل الخليوي، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار (أعد التقرير برئاسة القاضية نيللي أبي يونس، والذي صدر في أيار 2022 بمئة وخمسين صفحة).
شركة خاصة للتقييم
وبعيداً من كل الفضائح التي نشرت عن إدارة صهر الوزير ومستشاره جورج الدويهي الوزارة، والتدخل في كل التفاصيل والمشتريات والمناقصات، من دون أي صفة رسمية، يبدو أن الوزارة متجهة لتكليف شركة خاصة لوضع دراسة حول كيفية منح الحوافز للموظفين.
فوفق مصادر مطلعة، طلبت إدارة المشتريات إجراء مناقصة لتكليف شركة للتدقيق في رواتب الموظفين ولا سيما المدراء والفئات العليا، وتقييم اداء الموظفين لصرف الحوافز لهم. وقد أرسلت بريداً الكترونياً بهذا الشأن، طلبت فيها الإدارة وضع دفتر شروط لتكليف شركة، وذلك بعد تصاعد مطالب الموظفين برفع رواتبهم ودفع الحوافز لهم.
إصرار صهر الوزير
ووفق موظفين كبار في قطاع الخليوي، فإن الوزير تذرع أنه في السابق جرت توظيفات حزبية لموظفين غير كفوئين، وهناك حاجة لإعادة تقييم كل الموظفين، ليصار إلى دفع الحوافز. ويحكى في لقاءات كبار الموظفين أن كلفة الدراسة قد تصل إلى نحو 400 ألف دولار في شركتي الخليوي!
وتضيف المصادر أنه عوضاً عن دفع هذه المبالغ كحوافز للموظفين، يصر صهر الوزير على تكبيد الدولة أموالاً طائلة، في وقت يوجد نظام تقييم معمول به منذ سنوات، ولا داعي لهذا الهدر الكافي لإرضاء الموظفين، الذين تراجعت مداخيلهم.
توظيفات عشوائية
مصادر رفيعة المستوى عملت في السابق بهذا القطاع، لفتت إلى أن طلب الوزارة دراسة من شركة خاصة لمعرفة أداء الموظفين يشير إلى مسألتين مهمتين: إما أن إدارة الشركتين غير كفوءتين، أو لأن البعض يطمح للاستفادة المالية من المناقصة. وهذا مبدأ عام في تلزيم الشركات كم يحصل عادة في لبنان، من تلاعب في دفاتر الشروط وكيفية رسو المناقصة على شركات محددة.
وذكّرت المصادر بتقرير ديوان المحاسبة الذي يشير بشكل واضح إلى عشوائية التوظيفات في القطاع، فضلاً عن هدر مليارات الدولارات في المصاريف الرأسمالية (شبكات وتطوير ومبان) وفي الكلفة التشغيلية، من ضمنها الموظفين. هدر تحدث عنه التقرير بإسهاب، ومن شأنه إدخال أقله ثلاثة وزراء إلى السجن، إذا لم يكن كل الوزراء بين العام 2010 و2019.
وتضيف المصادر أن الموظفين في شركتي ألفا وتاتش يتلقون رواتبهم من وزارة المال، أي من المصاريف التشغيلية بعدما استردت الدولة القطاع. وكلفوا الخزينة حوالى 100 مليون دولار بالسنة بين العام 2010 وال2020.
هدر كبير بالإنفاق
ويشير تقرير ديوان المحاسبة إلى أن “سياسة التوظيف، التي اتبعت من قبل الشركات المشغلة لقطاع الهاتف الخليوي بعد استرداد القطاع، وخلال فترة تحمل الدولة المنفقات التشغيلية (2010-2018)، اتسمت بالإفراط في التوظيف وبموافقة الوراء المتعاقبين، وذلك رغم انخفاض واردات الخزينة، رغم ارتفاع إيرادات الشركات. فقد اتسمت تلك المرحلة بهدر كبير في المصاريف التشغيلية والرأسمالية. ووصل البطر بوزراء الاتصالات الدفع على رعاية مناسبات واحتفالات وغيرها أكثر من خمسين مليون دولار سنوياً.
وجرت التوظيفات ودمن دون أي دراسة جدوى ولا تقييم للجودة والكفاءة، وفق التقرير. فقد بلغت نسبة زيادة الموظفين في شركة ألفا بين 2010 و2018 نحو 54.3 بالمئة، بينما في تاتش نحو 72.6 بالمئة. ثم انخفضت النسبة بسبب استقالة الموظفين جراء الازمة الاقتصادية والمالية وتراجع قيمة الرواتب. ففي ألفا ارتفع عدد الموظفين من 714 موظفاً العام 2010 إلى 1102 العام 2018. وفي تاتش ارتفع عدد الموظفين من 434 العام 2010 إلى 749 العام 2018.
ويضيف التقرير أن الكلفة المالية للموظفين، التي تكبدتها الخزينة والتي تدفعها الدولة من ضمن النفقات التشغيلية، ارتفعت من 21 مليون دولار العام 2010 في ألفا إلى 54 مليون دولار العام 2028. وفي تاتش من 16 مليون دولار العام 2010 إلى 44 مليوناً العام 2018.
مجلس الخدمة المدنية
ووفق المصادر كانت الرواتب خيالية قياساً بباقي الدول، مثلها مثل أسعار الاتصالات، عندما كان لبنان من أغلى الدول. وهي بحاجة لإعادة تقييم في ظل الظروف الطارئة في لبنان وتراجع مداخيل الموظفين. لكن عوضاً عن تكليف الوزير القرم مجلس الخدمة المدنية، الذي لديه وحدات أبحاث متخصصة، ويخفف الأعباء عن خزينة الدولة، ويدعم موظفي القطاع العام، يقوم مثل أسلافه بهدر المال العام على أمور يفترض أن تكون من صلب مهمات إدارة شركتي الهاتف.
ربما رأى الوزير أن الكفاءة مفقودة في الشركتين ما يستدعي الاستعانة بطرف خارجي لإجراء هذا التقييم. لكن حري به الاستعانة بمجلس الخدمة المدنية أو الجامعة اللبنانية، أو معهد الإدارة وغيرها، تقول المصادر، وتضيف أن لبنان يعيش ظروفاً استثنائية وكلفة الاتصالات على المجتمع، بعد رفع سعرها على صيرفة، كبيرة جداً قياساً بمداخيل الموظفين في القطاعين العام والخاص. فاعتماد سعر صيرفة لتسعير اتصالات شركتي الخليوي كان عشوائياً، بدليل أنه لم يوضع على أساس دراسة للسوق رغم الأزمة التي يعاني منها اللبنانيون. بل جل ما حصل هو تقسيم السعر السابق على ثلاثة وضرب الحاصل بصيرفة. بينما في أوجيرو لم يعتمد صيرفة وجرى رفع الفاتورة مرتين ونصف. وبالتالي، طالما أن سعر الصرف الرسمي بات 15 ألف ليرة، يفترض إعادة النظر بالاتصالات على أساس هذا السعر الرسمي.
وترى المصادر أن عدم إعادة هيكلة الشركتين وإعادة تقييم الموظفين ووقف عقود الصيانة الخارجية والاعتماد على الموارد الداخلية، يعني العودة إلى الإنفاق السابق، بكل الهدر، الذي فنده ديوان المحاسبة. فمع ارتفاع مداخيل الشركتين عادت روائح الصفقات والعقود تفحّ من جديد.