حذرت منظمة الأمم المتحدة للسياحة من أن طريق ازدهار السياحة العالمية بشكل أكبر في المرحلة المقبلة يواجه عقبات كثيرة لعل من أبرزها التغير المناخي والطفرة المتسارعة للتكنولوجيا.
وأكد شيخة ناصر النويس، الأمين العام المنتخب للمنظمة للفترة بين 2026 و2029 بأن صناعة السياحة تمر حاليا بمرحلة محورية في ظل تحديات عالمية غير مسبوقة، حددت أبرزها في تغير المناخ، والتطور التكنولوجي المتسارع، والتحولات الجيوسياسية.
وقالت النويس في تصريحات لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إن “هذا الواقع يتطلب قيادة مرنة ذات رؤية مستقبلية، قادرة على ابتكار حلول متنوعة وتعاونية، تهدف إلى إعادة تعريف مستقبل السياحة المستدامة والمسؤولة.”
ويرى المحللون أن القدرة على التكيف مع تغيرات المناخ، واستغلال الفرص التي توفرها التكنولوجيا، ستحدد مستقبل السياحة العالمية في العقود القادمة، وتحدد مدى قدرتها على الاستمرار كرافد اقتصادي رئيسي ومستدام.
وفي أعقاب الجائحة شهد قطاع السياحة العالمي زخماً غير مسبوق، مدفوعاً بالطلب المكبوت وبرغبة المسافرين في اكتشاف أماكن جديدة وتجارب فريدة، إضافة إلى التطور التقني الذي جعل التخطيط للسفر أكثر سهولة ويسرًا من أي وقت مضى.
ولذلك باتت الرحلات الجوية منخفضة التكلفة، وتطبيقات حجز الفنادق والأنشطة السياحية الرقمية، جزءًا لا يتجزأ من تجربة السائح المعاصر، مما ساهم في زيادة أعداد المسافرين حول العالم بشكل ملحوظ.
ومع هذا النمو المتسارع، يواجه القطاع تحديات كبيرة تهدد استدامته، ويعد التغير المناخي أبرزها، إذ تؤثر درجات الحرارة المتطرفة، وارتفاع مستوى البحار، وكوارث الطبيعة المتزايدة على الوجهات السياحية التقليدية، مثل الشواطئ والجزر الصغيرة.
ويرى الخبراء بما في ذلك المسؤولين في المنظمة أن ما يحصل اليوم يسهم في دفع بعض الوجهات إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها السياحية للحفاظ على البيئة وجذب الزوار في الوقت ذاته.
وعلى الجانب الآخر، يشكل التطور التكنولوجي سلاحًا ذا حدين. فبينما تتيح التكنولوجيا تجارب سياحية مبتكرة، مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي في التوصية بالرحلات، فإنها في الوقت نفسه تفرض ضغوطًا على المشغلين السياحيين.
ويتمثل ذلك الضغط في مدى سرعة تبني أنظمة رقمية متقدمة، مع مراعاة قضايا الخصوصية والأمان الإلكتروني، خاصة مع بروز العديد من المنصات العالمية، مثل بكوينغ دوت كوم، والتي أفرزت بيئة تنافسية قوية.
وإضافة إلى ذلك، أدت الثورة الرقمية إلى ظهور منصات جديدة توفر خدمات سياحية بأسعار أقل، ما يزيد المنافسة ويجعل الحفاظ على الجودة والهوية الثقافية للوجهات تحدياً أكبر.
ويبقى الحل في تبني مقاربات متكاملة تجمع بين الابتكار التكنولوجي والاستدامة البيئية، مع إشراك المجتمعات المحلية في صناعة القرار السياحي لضمان استفادة الجميع من هذا القطاع الحيوي.
وأسهم قطاع السياحة والسفر بقيمة بلغت 10.9 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال عام 2024، وهو ما يمثل 10 في المئة من الاقتصاد العالمي.
10 في المئة مساهمة صناعة السياحة في الناتج الإجمالي العالمي مع بلوغها 10.9 تريليون دولار في 2024
وتوقعت النويس على هامش “قمة الإمارات وأفريقيا للاستثمار السياحي 2025” التي تحتضنها دبي أن تواصل هذه المساهمة ارتفاعها لتصل إلى 11.7 تريليون دولار في عام 2025، بنسبة زيادة قدرها 6.7 في المئة بمقارنة سنوية، و13 في المئة مقارنة بعام 2019.
واستندت في توقعاتها إلى تقرير صادر عن المجلس العالمي للسفر والسياحة، أظهر أن القطاع سجل خلال العام الماضي نموا بنسبة 8.5 في المئة مقارنة بعام 2023، وبنسبة ستة في المئة مقارنة بعام 2019.
وشددت الأمين العام المنتخب لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة على أن هذه الأرقام تؤكد مكانة السياحة كمحرك رئيسي لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، مشيرة إلى أنها تعد من أهم القطاعات القادرة على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وأوضحت أن قوة هذه الصناعة المهمة لاقتصادات العديد من الدول بما في ذلك الدول العربية، تكمن في قدرته على تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية مباشرة للوجهات والمجتمعات المضيفة.
كما أن للقطاع دوره حيوي في توفير فرص العمل، ودعم نمو الشركات المحلية، وزيادة الإيرادات على المستويين الحكومي والخاص، ودعم اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
ونما القطاع خلال النصف الأول من هذا العام بواقع 5 في المئة على أساس سنوي في أعقاب تسجيل نمو ملحوظ في أعداد الوافدين والإيرادات عبر معظم المناطق ، وفق تقرير أصدرته المنظمة الشهر الماضي.
وحققت أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ خلال أول ستة أشهر من 2025 أقوى معدلات نمو، فيما واصلت أوروبا والأميركيتان والشرق الأوسط تعافيها بوتيرة متفاوتة.
التغيرات المتسارعة تدفع بعض الوجهات إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها للحفاظ على البيئة وتحسين مستويات الرقمنة
كما شهدت السياحة الدولية نشاطًا لافتًا، فقد بلغ عدد الزوار نحو 690 مليون شخص، بزيادة قدرها نحو 33 مليونًا مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، رغم تباين النتائج بين المناطق والأقاليم الفرعية.
وأظهرت الإحصائيات تسجيل أفريقيا لأقوى أداء عالمي بزيادة قدرها 12 في المئة مقارنة بالعام السابق، حيث ارتفعت الوافدات في شمال القارة بنسبة 14 في المئة بفضل النشاط في مصر وتونس والمغرب وفي أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 11 في المئة.
أما الشرق الأوسط فسجل انخفاضًا بواقع أربعة في المئة على أساس سنوي، لكنه ظل متفوقًا على مستويات عام 2019 بنسبة 29 في المئة، ما يعكس استمرار التعافي الكبير بعد الجائحة.
واستقبلت أوروبا ما يقرب من 340 مليون سائح، بنمو أربعة في المئة بمقارنة سنوية و7 في المئة عن مستويات عام 2019، مع استمرار التعافي القوي في أوروبا الشرقية والوسطى رغم بقائها دون أرقام ما قبل الجائحة بنسبة 11 في المئة.
وفي القارة الأميركية، ارتفع عدد السياح بنسبة 3 في المئة، غير أن النتائج تباينت بين المناطق، حيث سجلت أميركا الجنوبية نموًا قويًا بلغ حوالي 14 في المئة، بينما اقتصرت الزيادة في أميركا الوسطى على اثنين في المئة.
وتظهر بيانات المنظمة أن الأرقام ظلت شبه مستقرة في أسواق أميركا الشمالية ومنطقة الكاريبي، وذلك بسبب ضعف الطلب من بعض الأسواق الكبرى.



