على مقربة من انتهاء مدّة عقد اتفاق توريد مليون طن من زيت الوقود العراقي، يبرز مؤشّران أحدهما إيجابي وآخر سلبي، أرسلهما بطريقة غير مباشرة مسؤولون عراقيون، يوم الثلاثاء 5 تموز، خلال لقائهم وزير الطاقة اللبناني وليد فيّاض.
وتحديد اتجاه العقد الذي ينتهي في أيلول المقبل، يقع بالدرجة الأولى على الحكومة اللبنانية. فإما أن تدفع العراق لتجديد العقد وتوريد زيت الوقود لاستبداله بالفيول المناسب لمعامل الكهرباء، فيستمر التقنين الراهن على حاله، وإما أن تُلغى الاتفاقية فيُحرَم اللبنانيون من ساعتيّ الكهرباء التي “تتحنَّن” عليهم بها وزارة الطاقة.
تجديد العقد
يتمهّل الجانب العراقي في اتخاذ قرار تجديد العقد أو الاعتذار. على أن مؤشراً إيجابياً، يمكن التعويل عليه، ظَهَرَ على لسان وزير النفط العراقي إحسان اسماعيل، حين أعلن وجود نيّة عراقية في “استمرار العمل باتفاق عقد توريد الفيول الموقع مع لبنان”. ولمزيد من الإيجابية، لوَّحَ فياض بامكانية زيادة كميات زيت الوقود المستورد، ما سيساهم في زيادة ساعات الكهرباء. إلاّ أن الزيادة مرهونة بـ”ضوابط معيّنة”.
وعلى الضفة الأخرى، عَبَّرَ وزير المالية العراقي علي علاوي، عن حاجة الحكومة العراقية للضوابط “لتستطيع بموجبها أن تقوم بإدارة المخاطر المالية التي تترتب على الاتفاقية، من ضمنها سعر الصرف والتأخير عن الدفع”. ومن هنا، يصبح احتمال التجديد أضعف. فالعراقيون يريدون التجديد لكن بشروط تعاقدية مختلفة، تواكب التطورات السياسة والاقتصادية والنقدية التي يعيشها لبنان. فالأحوال ازدادت سوءاً منذ توقيع الاتفاق في تموز 2021. فدولار السوق السوداء كان حينها بنحو 20 ألف ليرة، ودولار منصة صيرفة كان 3900 ليرة. واليوم دولار السوق بنحو 30 ألف ليرة ووصل سابقاً إلى نحو 38 ألف ليرة، فيما دولار المنصة نحو 25300 ليرة. ما يعكس عدم الاستقرار الاقتصادي والنقدي. وهو ما يشكّل عاملاً غير مشجّع لتجديد الاتفاق، لأن مستحقات العراق من عملية البيع لن تُقبَضَ بشكل مباشر، بل سيسدّدها لبنان على شكل خدمات يُدفَع ثمنها من حساب خاص لصالح البنك المركزي العراقي في مصرف لبنان. وهذه الآلية في التسديد، لم يعد يحبّذها العراق.
قرار غير محسوم
“المرحلة المقبلة لن تكون سهلة”، برأي مصادر متابعة للملف في العراق. وفي حديث لـ”المدن”، تؤكّد المصادر أن وزير المالية العراقي “وَضَعَ حدود المرحلة المقبلة بتركيزه على إدارة المخاطر المالية، في حين أن تلك المخاطر لم تُعطَ أهمية قبل توقيع العقد في العام الماضي. والجديد، أن المسؤولين العراقيين يرون بوضوح أن لبنان لا يسير نحو التعافي بل نحو المزيد من التأزّم، وخصوصاً في ظل تأخّر التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وبالتالي، الرهان على عام آخر توضع فيه المستحقات العراقية في المصرف المركزي اللبناني وتُدفَع مقابل خدمات، قد لا يكون وارداً إلاّ بشروط ما زالت مبهمة، لكن قد لا تحتملها الحكومة اللبنانية بالنظر إلى واقع البلاد. ومن الشروط، على سبيل المثال لا الحصر، دفع قيمة الشحنات مباشرة وبالدولار النقدي. فحصر المقابل بالخدمات، لم يكن في الأصل إلاّ خيار الضرورة بالنسبة للعراق، بهدف مساعدة اللبنانيين وإظهار حسن النية تجاههم، على أمل اتخاذ الحكومة خيارات إصلاحية وإنقاذية تزيد ساعات الكهرباء، وتقدّم للعراق خدمات جديّة مقابل مستحقاته، وهو ما لم تلمسه الحكومة العراقية، ما وضَعَها في حالة قلق من المرحلة المقبلة”.
ورغم ارتفاع منسوب القلق، إلاّ أنه “من شبه الثابت حتى الآن، القول بأن الاتفاق سيُجَدَّد. لكن من غير المحسوم ما سيُضاف عليه لجهة الضمانات المالية. أما كمية الفيول، فعلى الأغلب ستبقى على حالها، وإن أمِل فياض بزيادتها. ما يعني بقاء ساعات التغذية كما هي”.
وتضيف المصادر أن التماس العراق للمؤشرات السلبية للاقتصاد اللبناني، جعل من زيارة فياض “محاولة لزرع الثقة عند الجانب العراقي”. لكن ردّ محافظ البنك المركزي مصطفى مخيف، بمثابة نفض اليد من أي حسم فوري. فالحسم من شأن الحكومة لأن “الأمور التعاقدية تحتاج إلى قرار حكومي أيضاً”.
مرحلة ما بعد أيلول، في يد الحكومة اللبنانية التي عليها استباق انتهاء العقد ووضع كل الاحتمالات أمامها، ومن ضمنها عدم قدرتها على تلبية الشروط العراقية التي قد تستجدّ. ما يستدعي البحث عن آلية جديدة تتيح شراء الفيول. والمصدر الأقرب والأسرع هو سلفات الخزينة، أو الضغط على مصرف لبنان لتأمين الدولارات، أو البحث عن مساعدات قد تتّخذ في الغالب شكل قروض من جهات دولية، على غرار القرض الطارىء الذي حصل عليه لبنان لتمويل شراء القمح، بقيمة 150 مليون دولار. على أن أحداً من هذه الحلول، لم يُحسَم بعد. وبالتالي، فخيار إطفاء المعامل كلياً، أمر وارد وقد تستعمله وزارة الطاقة حجّة لطلب سلفات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان.