الاستملاكات المدرجة في خطّة الكهرباء لإنشاء معمل إنتاج كهرباء في سلعاتا بقيمة 200 مليون دولار، أثارت الكثير من التحفظات ولا سيما من وزراء القوات اللبنانية وحركة أمل، إلا أن وزيرة الطاقة ندى البستاني لم تتمسّك بها ووافقت على إنشاء معمل في سلعاتا لا تكلّف استملاكاته أكثر من 30 مليون دولار
لم تتمسّك وزيرة الطاقة ندى البستاني بالبند المعروض في خطتها للكهرباء الرامي إلى استملاك أراض بقيمة 207 ملايين دولار لإنشاء معملَي إنتاج في منطقة سلعاتا (قضاء البترون)، بل تراجعت عن هذا الطرح سريعاً ووافقت على إجراء تعديلات على المساحة المطلوبة حتى باتت قيمة الاستملاكات لا تتجاوز 30 مليون دولار.
لحظت خطّة الكهرباء التي درستها اللجنة الوزارية، ضمن البند السابع المتعلق بالقرارات المطلوب اتخاذها من قبل مجلس الوزراء، طلب «تأمين التمويل اللازم لاستملاك الأرض الضرورية لمشروع إنشاء معمل لإنتاج الطاقة الكهربائية في منطقة حامات ــــ سلعاتا والمقدر بنحو 200 مليون دولار».
أثار هذا الطلب استغراباً واسعاً بين أعضاء اللجنة الوزارية، وخصوصاً وزراء القوات اللبنانية وحركة أمل. وكشفت مداولات اللجنة أن أعباء هذا الطرح كبيرة، فيما يكمن الهدف من خطة الكهرباء خفض العجز المالي للخزينة وليس العكس، إذ إن كلفة المعمل بقدرة 550 ميغاوات كما لحظت الخطة لمعمل سلعاتا، قد لا تتجاوز 450 مليون دولار، أي أن كلفة الاستملاكات المقدرة في عام 2017 تمثّل 45% من كلفة إنشاء المعمل.
عند هذا الحدّ، برز سؤال عن جدوى اختيار منطقة سلعاتا لإنشاء معمل كهرباء في ضوء هذه الكلفة الكبيرة، وإمكانية الاستعاضة عن المواقع المطروحة للاستملاك بمواقع أقل كلفة. بحسب مصادر وزارية، فإن النقاشات التي دارت في اللجنة الوزارية، أربكت البستاني ودفعتها إلى التراجع عن الطرح. أشارت في البدء إلى أن جزءاً أساسياً من الأراضي المطروحة للاستملاك، مستملكة أصلاً منذ فترة طويلة لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، وأن طرح إنشاء المعمل في سلعاتا اتخذ بناءً على دراسات علمية. كذلك تبيّن أن هناك كتاباً مرسلاً من مؤسسة كهرباء لبنان إلى وزارة الطاقة، يقدّر قيمة المساحات المطلوبة للاستملاك في منطقة سلعاتا بنحو 207 آلاف متر، وأن السعر الوسطي للمتر المربع في تلك المنطقة مقدّر بقيمة 1000 دولار، أي أن كلفة الاستملاك تصل إلى 207 ملايين دولار.
معظم أعضاء اللجنة اعترضوا على هذه الكلفة الكبيرة، فقدّمت البستاني تصحيحاً لهذا الأمر بالإشارة إلى أن لجنة الاستملاكات في مؤسسة كهرباء لبنان ستقوم بدراسة هذا الأمر، وأوضحت أنه يمكن الاستعاضة عن المواقع المطروحة بمواقع ذات مساحات أصغر، مشيرة إلى أن «خطأ ما حصل»، وأجرت تصحيحاً تشير فيه إلى أن الحاجة الأولية لإنشاء معمل في سلعاتا مقدرة بنحو 30 مليون دولار على أساس أن المساحة المستملكة المطلوبة تتراوح بين 60 ألف متر مربع و70 ألف متر مربع.
رغم ذلك، لم يوقف بعض وزراء القوات اللبنانية إثارة هذا الأمر علناً. دخل على خطّ السجال أكثر من طرف، كان أبرزهم مؤسسة كهرباء لبنان التي أصدرت بياناً تشير فيه إلى أن كلفة الاستملاكات كانت ملحوظة في سبعينيات القرن الماضي «وصدر مرسوم الاستملاك في عام 1978، إلا أنه بعد مرور 10 سنوات من دون إنشاء المعمل، تم استرداد معظم الأراضي المستملكة بأحكام قضائية». كذلك قالت المؤسسة إنه في عام 2014 أجرى الاستشاري الإنكليزي Mott Macdonald مسحاً للمنطقة الساحلية، وتبيّن له أن المواقع المثلى لإنشاء معامل إنتاج عبر الشراكة مع القطاع الخاص PPP، هي تسعة (9) وقد اختير منها ثلاثة، بينها موقع سلعاتا الذي حاز المركز الثاني. وموقع سلعاتا هو من ضمن المواقع التي اعتمدت بموجب المخطط التوجيهي الذي أنجزته شركة كهرباء فرنسا EDF ووافق عليه مجلس الوزراء في قراره الرقم 20 تاريخ 7/9/2017.
إذاً، تبيّن أن جزءاً كبيراً من الاستملاكات قد سقط وعادت الأراضي إلى أصحابها. فلماذا حصل هذا الأمر؟ تقول مصادر مطلعة إن أصحاب الأراضي الذين استرجعوا أملاكهم، حاولوا الضغط على أكثر من وزير في اللجنة الوزارية في محاولة لإقناعهم بجدوى إعادة الاستملاك والسير به، ولا سيما أن مصالحهم تقتضي ذلك بعدما تضاعفت أسعار الأراضي. وبحسب مصادر مطلعة، فإن هناك جزءاً كبيراً من الأراضي التي كانت معروضة للاستملاك مملوكة من بيار ضومط مالك معمل الترابة الوطنية، وجوزف عسيلي تاجر الأراضي وعضو مجلس إدارة سوليدير السابق.
في النهاية، قالت المصادر إن وزيرة الطاقة رفضت أن تحدّد سقفاً أعلى للإنفاق على الاستملاكات ولا على أي من بنود خطّة الكهرباء، إلا أنها وافقت على أن يكون هناك معمل واحد في سلعاتا، استملاكاته مقدرة بنحو 30 مليون دولار.