لم تُسجّل تداعيات واسعة في لبنان بسبب الوضع القائم في البحر الأحمر، حيث تقلّصت حركة الملاحة فيه بشكل لافت. ففي عام 2023 استورد لبنان ما قيمته 4 مليارات دولار عبر البحر الأحمر ، من أصل إجمالي الاستيراد الذي بلغ 17.5 مليار دولار، أي ما نسبته نحو 22% من الاستيراد الإجمالي. كان الأثر الأبلغ، في بداية الأحداث، إذ انعكس الأمر سلباً على مخزون البضائع لدى التجّار بسبب تأخر الشحنات واللجوء إلى مسار بحري آخر عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا. لكن بمرور الوقت، تكيّفت سلاسل التوريد وتأقلم التجّار مع الوضع الحالي ومدّة الشحن.
عملياً، ما بقي من انعكاس توقّف الملاحة في البحر الأحمر هو ارتفاع أسعار الشحن والتأمين على الشحن، وهو أمر انعكس على العالم كلّه وليس فقط على لبنان. يعود الارتفاع في سعر الشحن إلى زيادة مدّة الملاحة، إذ إن الطريق التي تمرّ بالرجاء الصالح أطول من الطريق التي تمرّ بالبحر الأحمر، وهو ما يعني أكلافاً أكبر ووقوداً أكثر. أما بالنسبة إلى أسعار التأمين فهي ناتجة من زيادة مخاطر الملاحة في البحر، علماً أن حركة أنصار الله كانت واضحة منذ البداية في تهديداتها، بأنها لن تتعرّض إلا للبواخر الذاهبة إلى إسرائيل أو التي لها علاقة بهذا الكيان. لكنّ شركات الشحن العالمية قررت أن «توقف الملاحة» عبر البحر الأحمر بسبب المخاطر، وهو عملياً ما دفع كلّ هذه الأكلاف صعوداً.
وبحسب تقرير صدر أخيراً عن باحثين في البنك الدولي، فإن معدّل مدّة الملاحة لبواخر الشحن ارتفع بنسبة 53% بين شهري كانون الثاني وآذار الماضيين. وهو ما انعكس على الأسعار. كما سجّل مؤشر «دروري» العالمي لحاويات الشحن، وهو مؤشّر لتكاليف الشحن العالمية، ارتفاعاً كبيراً بنسبة 170% من تشرين الثاني 2023 إلى كانون الثاني 2024، إذ اقتربت كلفة شحن حاوية بطول 40 قدماً من 4000 دولار أميركي. إلا أن الارتفاع في سعر الشحن عاد وانخفض لاحقاً إلى 90% في شهر نيسان الماضي. في السياق نفسه، سجّلت أسعار التأمين على الشحن 1% من قيمة البضائع في شهر كانون الثاني الماضي، ما مثّل ارتفاعاً بنحو 3200% عن شهر كانون الأول 2023، في حين استمرّت هذه الكلفة بالارتفاع حتى بلغت أسعار التأمين 2% في شهر شباط الماضي.
انعكاس أزمة البحر الأحمر كان ثقيلاً على بعض المرافئ الموجودة في البحر الأحمر، بالإضافة إلى قناة السويس، التي انخفضت فيها حركة الملاحة إلى نحو النصف، بحسب البنك الدولي. فقد شُلّ مرفأ رئيسي في جنوب اليمن لمدة 90 يوماً، ما انعكس سلسلة من الهزات الاقتصادية تمركزت في الاقتصاد السعودي الذي تحمّل خسارة تزيد على 1.1 مليون طن من القدرة على التصدير. وكان لهذا التأثير غير المباشر انعكاس على صادرات السعودية التي انخفضت بنحو 125 مليون دولار. وتواجه الصين، رغم بعدها الجغرافي، تهديداً وشيكاً بقيمة 96 مليون دولار من صادراتها. أما بالنسبة إلى التأثير النسبي على إجمالي قيم صادرات الدول الأخرى فهو هامشي، بالكاد يسجل أقل من 1%، بحسب البنك الدولي.