“في مثل هذه الأزمة التاريخيّة التي تعصف بلبنان، أرضاً وشعباً، على الدولة سلوك “مسار الإنفاق” متخطّية هاجس تثبيت سعر الصرف والتحكّم بحجم الكتلة النقدية…” يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف الدكتور سمير حمود مشترِطاً “إنفاقاً صحيحاً” كي يكون “سليماً”.
كلام حمود جاء في حديث لـ”المركزية” قارئاً فيه موقع الدولة ودورها في ظل الحرب القائمة وما بعدها… ويقول: في لبنان دولة متحللة وحضور دستوري غير مكتمل. أما الناس فبعدما خسرت مقدّراتها المادية، أصيبت مدّخراتها العينيّة سواء بأراضٍ زراعيّة أو مؤسسات اقتصادية أو حتى بأملاك خاصة أو غيرها، بضرر كبير، فأصبح اللبنانيون نازحين في بلدهم، وهنا يصحّ قول الشاعر “أشقى شعوب الأرض شعبٌ في مواطنه شقيّ”… إنها الخسارة الكبرى!
وعما يمكن أن تقوم به الدولة في هذه الحال، يرى حمود أن “الدولة غير مُدرِكة لعواقب ما يحصل”، ويجزم أن “أحداً لا يطلب منها القيام بأي مبادرة بلغة اقتصادية أو مالية أو نقدية على الإطلاق، إنما ما يحدث حالياً يمكن أن يترك انعكاسات مُكلفة جداً، إن لم يتم تداركها سريعاً”، ويقول: الدولة اللبنانية غير مُدرِكة أن في الأزمات الكبيرة ولا سيما في الأزمة الراهنة التي نعيشها حيث الشعب اللبناني نازح في بلده، عليها استخدام الأداة الأولى لمعالجة هذه الأزمة وهي سلوك منحى الإنفاق. إذ لا تستطيع الدولة أن تنأى بنفسها عن الإنفاق، فوزارة المال لديها أموال في مصرف لبنان، بعيداً عن هاجس تثبيت سعر الصرف والتحكّم بحجم الكتلة النقدية، إنما عليها أن تفهم تمام الفَهم أن في مثل هذه الأزمة يُفترَض بها الإسراع أولاً إلى وضع خطة للإنفاق شرط أن يكون الإنفاق صحيحاً لا أن يكون فرصة لاستفادة البعض وفساد البعض الآخر، إنما يجب أن يكون إنفاقاً يعالج أزمة النازحين”، معتبراً أن “ترك الأخيرة فالتة على مشاربها بدون أي معالجة تحت مفهوم ضبط الإنفاق للحفاظ على استقرار سعر الصرف وحجم الكتلة النقدية، سيؤدي حتماً إلى فلتان اجتماعي ولو بعد حين… وهذا الفلتان ستكون كلفته أكبر بكثير من حجم الإنفاق المطلوب اليوم، ومن تدهور العملة الوطنية”.
…”ستنتهي الحرب” يقول حمود، “عندها سنكون أمام تحدٍّ سياسي – دستوري – فاقتصادي”، ويوضح من الناحية الاقتصادية أنه “لا يمكن البحث عن التوجّه الاقتصادي ما لم يعمل لبنان على تحديد هويّته في المرحلة الجديدة، وأن تكون موحّدة وأن يحدّد دوره في المنطقة والعالم”، ويشدد على أنه “لا يمكن لأي دولة التحدث في الاقتصاد ما لم يكن لها هويّة موحّدة ودور اقتصادي تحدّده سياستها المعتمدة. إذ يعلم الجميع أن للبنان اليوم هويّتَين على الأقل! إذاً، يجب أن تكون له هويّة ودور اقتصادي محدَّدَين، عندها نفكّر في الأدوات الاقتصادية التي ترتكز أيضاً على قاعدتَين أو معادلتَين:
– الأولى: لا يمكن أن يكون للبنان اقتصاد أو قطاع خاص سليم، إن لم يكن لديه قطاع عام سليم… القطاع العام لا يُترجَم فقط في الإنفاق الحكومي والرسمي بل في وجوب أن يكون بكل دوائره وقطاعاته سليماً: بدءاً من التعليم مروراً بالمواصلات والكهرباء والاتصالات والطرقات وصولاً إلى كل ما هنالك من إدارات ودوائر للدولة تعمل على أن يكون القطاع العام سليماً.
“بدون قطاع عام سليم لا يحلم أحد بنمو اقتصادي، حتى لو كان المحرِّك الاقتصادي هو القطاع الخاص” وفق حمود “لا قطاع خاصاً بدون قطاع عام سليم وهذا ما يحصل في أكثر البلدان رأسمالية واقتصاد حرّ”.
– الثانية: لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد صحيح إلا بوجود قطاع مصرفي صحيح.. فالتحدّي المقبل قد يؤدّي إلى استفاقة اللبنانيين بعد 50 عاماً من الحروب، على أنه يجب أن يكون لنا هويّة وقطاع عام وقطاع مصرفي سَليمَين.
ويرى هنا، أن “بهاتين المعادلتين قد تكمن إيجابية المرحلة المقبلة التي لا يمكن الانطلاق فيها بكل هذه المعطيات، إلا بإكمال الشكل الدستوري للبنان بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية صاحب رؤية ونظيف الكَف وأميناً على حماية الدستور والبلاد، وتعيين حكومة بكل ما للكلمة من معنى: مستقلة، نظيفة، كفوءة… ما يؤدي إلى الاستقرار السياسي والدستوري كي تستطيع البلاد السير قدماً نحو النمو والازدهار وتحقيق ناتج قومي لا يقل عن 200 مليار دولار”.
…”إذا توفّر كل ذلك، فلا خوف على لبنان إطلاقاً!” يختم حمود.