مع اقتراب حلول فصل الربيع، لا بدّ من الاطمئنان إلى سلامة الأرض وتربتها، إن لناحية كفايتها من متساقطات الأمطار، أو لجهة صلاحيّتها للزراعة مجدداً في مناطق الجنوب التي فلحتها القذائف الإسرائيلية قبل أن تصل إليها أيادي الفلاحين.
العميد المشارِك في الدراسات العليا للعلوم والتكنولوجيا في جامعة الروح القدس – الكسليك مدير “المركز الأعلى للبحوث” في الـUSEK الدكتور نبيل نمر يفنِّد كلتا الحالتين، منطلقاً من الموضوع الأوّل ليقول: المتساقطات الأخيرة مهمّة للزراعة، لكن كنا نأمل لو جاءت في وقت مُبكر، فالشجرة قد بدأت التحضير لفصل الربيع إذ أزهَرَت براعمها عندما ارتفعت حرارة الطقس ولا سيما “اللوزيّات”، وبالتالي استبقت فترة الصقيع حركة إزهار قبل أوانها.
لكن نمر يقلّل من خطورة الأمر “طالما نحن لا نزال في موسم الشتاء، ما يدفعنا إلى التأكيد أن المنخفض الجوّي الأخير وما اصطحبه من موجة صقيع، هو مفيد للقضاء على الأمراض الباكتيريّة والفطريّة التي تُصيب الغابات والمزروعات”.
وبالانتقال إلى كمية المتساقطات، “فلا تزال عند الحدود السلبية حيث لم نصل حتى الآن إلى المعدّل المطلوب من المياه” بحسب نمر، إذ “لا يزال لبنان بعيداً عن المعدّلات الموسميّة للمتساقطات بما يكفي لتخزين المياه في الأرض…”، آملاً في أن “يستمر هطول الأمطار طوال شهرَيّ آذار الجاري ونيسان المقبل حيث تبقى الأرض قابلة لتخزين مياه الأمطار في هذه الفترة”.
ويكرّر تأكيده أن “موجة الصقيع حملت عوامل إيجابية للزراعة بشكل عام، حيث أعطت النباتات مناعة أكبر عند قدوم فصل الربيع، في انتظار توفّر المعدّل الكافي من المتساقطات قبل حلول موسم الصيف…وأشهر الجفاف المُبكِر إن لم ننعَم بمياه الأمطار المطلوبة!”.
أراضي الجنوب…
ترقباً لما ستحمله قبل الأيام للطبيعة، لا يزال السؤال مطروحاً عما إذا كانت أراضي الجنوب ما زالت صالحة للزراعة بفعل الصواريخ الفوسفوريّة التي أمطرَها بها الجيش الإسرائيلي، بعد مضيّ أشهر على تطبيق اتفاق الهدنة “المخروق”؟
“لا أتخوّف من مادة الفوسفور الأبيض أو ما يُسمّى في علوم الكيمياء بالـP4” يُجيب نمر “لأنها عندما تُلامس التربة ستتحوَّل وتتلاصق مع عناصر أخرى موجودة داخل التربة، لكون نوعيّة التربة في لبنان “كلسيّة” وبالتالي سيتحوَّل الفوسفور تلقائياً إلى ما يُسمّى بـ”فوسفيد الكالسيوم” لا يعود صالحاً للامتصاص من النبات وبالتالي لا يعود خطيراً على التربة كما هو الحال فور انفجار القذيفة الفوسفورية إذ عندها يتحوّل إلى مادة حارقة للنباتات والأشجار عموماً”.
في ضوء ذلك، يطمئن نمر إلى أن “مجرّد هطول الأمطار، يزول أي خطر قد تتسبّبه مادة الفوسفور الأبيض على المزروعات والأشجار”.
هناك ما هو أخطر من الفوسفور!
لكن الدكتور نمر لا يغفل التنبيه إلى مشكلة حدثت في العام 2000 فور انسحاب إسرائيل من الجنوب في 25 أيار من ذاك العام، ويقول: تردّد في الأشهر الأخيرة أن إسرائيل كرّرت في حربها الأخيرة على لبنان ما فعلته خلال عدوانها على لبنان عام 2000 حيث ألقت صواريخ تحتوي على مبيدات كيميائية، ليست فوسفوريّة، تسمّم الأراضي الزراعية في الجنوب، وتمنع أياً من المزروعات أو البذور من أن تنبت مجدداً لمدة سنتين. بعد مرور هذه الفترة وعندما نبتت أشجار الزيتون أخذت أوراقها شكلاً غريباً لا يُشبه شكلها الطبيعي، وعندما أجرينا الفحص المخبري عليها تبيّن أن ذلك ناتج من تلك المبيدات الكيميائية السامّة التي ألقتها إسرائيل على الأراضي الزراعية في العام 2000.
وإذ يشدد على أن “هذه المواد الكيميائية تُثير الخوف والقلق أكثر من مادة الفوسفور”، ينصح نمر بـ”فحص التربة، ليس لمعرفة مدى ضررها من الفوسفور الذي ينحصر خطره في اللحظة التي يسقط فيها الصاروخ وليس بعد سنة وأكثر، بل لمعرفة ما إذا كانت هناك أنواع كيميائية أخرى تُضرّ بالتربة والزراعة…. وهنا تكمن المشكلة الأساسية… بل الخطر الرئيسي”.