الأزمات والديون الأميركية تتفاقم: الدولار والذهب إلى أين؟

ليس هذا الإغلاق الأول في الولايات المتحدة وقد لا يكون الأخير، ولا نعلم حتى الآن كم سيطول، بعدما شهد الكونغرس الأميركي نقاشات حادة أفضت إلى دخول البلاد في أول إغلاق حكوميّ منذ سبع سنوات.

مع بداية الربع الأخير من العام، فشل الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، في الاتفاق على قوانين الإنفاق الجديدة، وسيطرت الخلافات حول بنود الموازنة على اجتماعات الكونغرس الذي لم يتمكّن من إقرار مشروع تمويل الوكالات الحكومية. ومن غير الواضح بعد كم ستستغرق المسألة من قت في ظلّ الاختلافات في وجهات النظر والانشقاقات السياسية العميقة بين الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة الأميركية.

خلال 45 عامًا، أي منذ العام 1980، شهدت الحكومة الأميركية 15 إغلاقًا، اختلفت تداعيات كلّ منها بحسب توقيته ومدّته والتعقيدات المتعلقة بعملية إقرار التمويل ورفع سقف الدين الحكوميّ.

وأثناء وجود ترامب في المكتب البيضاويّ، خلال فترة رئاسته الأولى بين يناير/كانون الثاني 2017 ويناير/ كانون الثاني 2021، واجهت أميركا ثلاثة إغلاقات حكومية، كان آخرها في العام 2019، وها هي تعود لتدخل حالة الإغلاق الراهنة خلال ولايته الثانية.

خسائر الاقتصاد وسوق العمل

تقدّر الخسائر الناتجة عن الإغلاق الحاليّ بـ15 مليار دولار أسبوعيًا في الناتج المحلي الإجمالي، علمًا بأنه من المبكر تحديد حجم الخسائر الكلية التي سيتعرض لها النمو الاقتصادي، لأن ذلك يتوقف على طول فترة الإغلاق.

ويخرج اليوم 750 ألف موظف من عملهم في إجازات غير مدفوعة في ظلّ الإغلاق، بينما يستمرّ الموظفون الأساسيون بالعمل، بالإضافة إلى أفراد الجيش، وإدارة أمن النقل، الذين يتابعون أداء مهامهم دون الحصول على رواتبهم خلال فترة الإغلاق.

إلى ذلك، تعاني سوق العمل في أميركا من مخاطر كثيرة، فبالإضافة إلى الجمود الملحوظ في التوظيف من قبل الشركات، تسعى إدارة ترامب إلى تسريح أعداد كبيرة من الموظفين الحكوميين، وذلك ضمن مشروع إعادة هيكلة الإدارات الحكومية، حيث تشدّد إدارة البيت الأبيض على ضرورة فصل الموظفين الذين لا تعتبرهم أساسيّين، وترى أنّ هذه الخطوة جزء أساسي من مشروع تحقيق خفض الإنفاق الحكومي وتقليص العجز.

أمّا نتائج حرب الرسوم الجمركية التي بدأها الرئيس الأميركي فلم تُحسم بعد، ويتخوّف كثيرون من الفشل في تحسين وضع الميزانية الحكومية، ما سيُفاقم الأزمات الاقتصادية ويرفع حجم الضغوط التضخميّة، ويعيق قدرة الفدرالي على خفض أسعار الفائدة، وهذا يعني بالتالي ارتفاع أسعار الفائدة على القروض والرهون العقارية، وضغوطًا إضافية على الشركات وخسارة المزيد من الوظائف في سوق العمل.

الدَّين الذي يهدد العالم

معركة خفض الإنفاق العام معقّدة في وقت يناهز فيه الدين الأميركي مستوى 37 تريليون دولار، وترتفع بشكل هائل فوائد هذا الدَّين، وكذلك فاتورة مخصّصات الضمان الاجتماعي. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ العجز في الموازنة الأميركية ارتفع خلال شهر تموز الماضي بنسبة 20 في المئة مقارنة بالعام 2024، رغم إضافة إيرادات قياسية نتجت عن الرسوم الجمركية، التي سجّلت قفزة بنسبة 273 في المئة، أي بقيمة 21 مليار دولار، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وفي ظلّ الفجوة بين الإيرادات وحجم الإنفاق، تواصل وزارة الخزانة الأميركية الاقتراض، ويثير حجم الدين الأميركي الضخم المخاوف تجاه أكبر اقتصاد في العالم، كما يضع معه استقرار الاقتصاد العالمي في دائرة الخطر. وإذ تهدّد مستويات الديون المرتفعة النمو الاقتصادي، تتصاعد مخاوف المستثمرين والبنوك المركزية حول العالم من تدهور قيمة الدولار، حيث يُترجم هذا الخوف في عمليات الشراء المكثّفة للذهب واللجوء كذلك إلى تنويع المحافظ الاستثمارية بالملاذات الآمنة الأخرى.

من جهة ثانية، قالت وكالة موديز في وقت سابق من هذا العام: “إنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة والكونغرس فشلت مرارًا في التوصل إلى إجراءات تعكس مسار العجز المالي السنوي الكبير وتكاليف الفائدة المتنامية”، وأشارت موديز كذلك إلى أنها لا ترى أنّ مقترحات الإنفاق الحالية ستسفر عن تخفيضات جوهرية طويلة الأمد في الإنفاق الإلزامي أو العجز.

الذهب يحلّق عاليًا

تتوسّع اليوم مخاطر الشلل الذي يهيمن على معظم الإدارات الحكومية الأميركية، ليشمل الإدارات المسؤولة عن إصدار البيانات الاقتصادية. فمع توقف عمل مكتب الإحصاءات العمالية، يتأخر صدور تقرير الوظائف وبيانات التضخم، وغيرها من الأرقام الاقتصادية التي تترقبها الأسواق، وينتظرها بنك الاحتياطي الفدرالي بشكل خاصّ، إذ تسهم بشكل أساسيّ في اتخاذ قرارات السياسة النقدية.

وتهيمن حالة الغموض على الأسواق المالية مع عدم اتضاح الرؤية حول أداء الاقتصاد الأميركي ومستجدات الإغلاق الحكوميّ. أما الدولار فيمرّ بمرحلة من التقلبات أمام سلة العملات الرئيسية، لكنه يستمرّ بالاتجاه الهبوطيّ بشكل عام منذ بداية السنة، ويتّجه إلى تسجيل أسوأ أداء سنوي له في 22 عامًا، في وقت سجّل فيه انخفاضًا بنحو 10 في المئة منذ بداية العام 2025.

في ظلّ هذه المعطيات، تزداد التحديات أمام بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي، كما تتصاعد المخاوف وحالة عدم اليقين من الأزمة السياسية في واشنطن. وتشير التوقعات إلى احتمال خفض أسعار الفائدة في الاجتماعين المرتقبين لمجلس الاحتياطي الاتحادي قبل نهاية هذا العام، أي في أكتوبر الحالي وديسمبر القادم، وهو ما يشعل قوة الإقبال على الذهب الذي يحلّق عند مستويات غير مسبوقة، وقد شهد المعدن الثمين ارتفاعًا بنسبة 51 في المئة منذ بداية العام.

مصدرالمدن - رمزا زخريا
المادة السابقةبنوك كبرى تُفكر في عملات مستقرة مرتبطة بـ”مجموعة السبع”
المقالة القادمة25 مليون دولار للاستشفاء… «لا تُغني من جوع»