انتعشت الأسواق التجارية في صيدا بشكل غير مسبوق، بعدما تلاقى الفصح المجيد لدى الطوائف المسيحية الّتي تتبع التقويمين الغربي والشرقي مع استعداد المسلمين للاحتفال بعيد الفطر المبارك، وشهدت حركة غير مسبوقة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، بعدما فتكت الأزمة المعيشية بالتجار والمواطنين معا، بدءًا من الانهيار الاقتصادي مرورا بجائحة “كورونا” وصولا إلى الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الاعمال وتلاشي مؤسسات الدولة.
حركة السوق الناشطة منذ أسبوعين، فاجأت التجار الذين كانوا يتوقعون استمرار الانكماش والركود نظرا إلى انعدام القدرة الشرائية عند المواطنين ارتباطا بارتفاع الدولار وترتيب سلم أولوياتهم على ايقاع تأمين قوت عيشهم، ولكن احتفالات الفصح والتكافل الاجتماعي في شهر رمضان وعودة كثير من المغتربين لقضاء العطلة وسط ذويهم أعطوها زخما كبيراً.
ويؤكد التجار، أن ما ساهم بنشاط الحركة التجارية هو قيام متسوّقين من مناطق الجوار والمحيطة بالمدينة، ومن قرى شرق صيدا وبلدات اقليم الخروب وحتى النازحين السوريين، بالنزول إلى أسواقها رغبة بشراء احتياجات الأعياد من الحلوى والاكسسوارات والثياب الجديدة والأحذية، وخاصة للاطفال مع عروض التنزيلات والخصومات الجيدة، رغم التسعير بالدولار الاميركي، والاستفادة من البسطات والعربات التي سمح لها بالتوقف في الأسواق وهي عادة تبيع بسعر أرخص.
وشكل إعلان جمعية تجار صيدا وضواحيها فتح المحال ليلا في الأسبوع الأخير من رمضان، ذروة الزخم إذ أفسح المجال أمام المزيد من التسوق حتى العيد، وسط آمال التجار أن يكون الموسم واعدا، بعدما قرّرت الناس البحث عن الفرح وسط نفق الأزمة بأقل الإمكانيات المتوفرة.
وأمل رئيس الجمعية علي الشريف، ان تشكل هذه الحركة الناشطة فرصة لصمود القطاع التجاري المنهك تحت ضربات الأزمات المتلاحقة حيث بات على آخر نفس”، قبل أن يضيف “لقد استمر لكن باللحم الحي”، مشيراً إلى أن الكثيرَ من المؤسسات التجارية أصبحت محكومة إما بالتعثر أو بالاقفال، بسبب الإرتفاع في الكلفة التشغيلية من كهرباء ومحروقات ورواتب وأجور عاملين ورسوم وضرائب وقيود مصرفية على أموال المودعين وحجزها او تبخّر قيمتها لدى البنوك، فيما أولويات الناس في التسوق تحولت إلى ما هو أساسي من مستلزمات معيشية وحياتية، وكل ما تبقى أصبح من الكماليات.
وترى جمعية التجار ان غياب المعالجات الجذرية لأسباب الإنهيار أو على الأقل كبح جماحه، اضافة إلى بقاء مصير خطّة التعافي الاقتصادي التي وضعتها الحكومة بدعم من صندوق النقد الدولي لإنعاش الإقتصاد وتحفيز النمو في علم الغيب، يفاقم الأوضاع سوءا، وكل ما يجري هو فقط تحميل للمواطن والمودعين والقطاعات الإنتاجية. مؤكدة على “أهمية ان تتم المبادرة سريعاً لإنتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة الإنقاذ المنشود”، معتبرة أن “أية خطة انقاذية يجب أن تبدأ من حيث بدأ الإنهيار المالي أي من القطاع المصرفي بإعادة هيكلته واستعادة الثقة به، والبدء بتنفيذ إصلاحات إدارية شاملة للمؤسسات العامة لا سيما قطاع الكهرباء وتعزيز وتفعيل شبكات الأمان الإجتماعي والصحي ودعم الخدمات الأساسية للمواطنين”.
ويقول صاحب أحد محال التجارية والاكسسوار أنيس حبلي لــ”النشرة” أن هذه الحركة لم نشهدها منذ سنوات طويلة، لم تنهِ الأزمة المعيشية بالتأكيد لتنتعش الأسواق مجددا، ولكن عدة أسباب تضافرت لتجعلها ناشطة، منها عودة المغتربين لقضاء الأعياد وسط ذويهم، ومنها التكافل الاجتماعي في رمضان، ومساعدات المسافرين للأهل والأقارب وحتى الأصدقاء في المناسبات، باعتقادي ان الناس قررت البحث عن الفرح بدلا من الحزن وبما تيسر لديها.
“سئمنا التقشف وضنك العيش” تقول جنان الحكواتي لـ”النشرة”، وهي تشتري الثياب الجديدة لولدها محمد، مرّ العمر على غفلة واليوم الجميل لا يعود أبدا في لبنان، لذلك وفّرت من مصروف البيت بعض مئات من الآلاف لادخل الفرح الى قلب محمّد، لقد ذاق الويل جراء اصابته بفيروس “كورونا” والان حان وقت التأقلم مع الأزمة لنعيش على إيقاعها”.
ومشهد الازدحام يصفه البعض بأنّه تعويض عن المواسم السابقة، كأنّ الناس التي ذاقت مرّ الغلاء وكانت في غيبوبة، عادت واستيقظت على واقع لا بد من التأقلم معه بعيدا عن دوامة اليأس، ويقول صاحب محل ألبسة محمد غريب، أن الحركة ناشطة، ونأمل أن تستمر هكذا، لا أن تكون موقتة في نهاية كل أسبوع فقط، نحن ننتظر موسم العيد كل عام بفارغ الصبر، لانه يعوّضنا عن الخسائر المتراكمة منذ سنوات ويدعمنا للصمود في وجه الإفلاس والإقفال.
أمام محل بيع ألبسة للأطفال، احتشدت عائلات بأكملها، ويقول أحمد كرجية وهو أب لولدين، ساشتري لهما الثياب الجديدة رغم ان الاسعار بالدولار الاميركي، لقد تلقيت مساعدة من شقيقي في الخارج، استعنت بها لتوفير الطعام والشراب في رمضان وشراء ثياب وحلوى العيد، الحمد لله هذا العيد أفضل من غيره.
وفي محل مجاور، ترمق نوال المجذوب الثياب المعلّقة مع حسوماتها، وتقول منذ ثلاث سنوات ولم اشترِ لاولادي شيئا، هذا العام قرّرت فعل ذلك رغم الضائقة المعيشية، لأنني أريد إدخال الفرح إلى قلوبهم بأي طريقة، بينما تتحسر غادة الأبريق لأنها لا تملك المال لشراء أي شيء خارج إطار الطعام والشراب، وتقول “الميزانية ضعيفة جدا”، ليتكرر عيدها كما السابق… بلا ثياب جديدة وحلوى.