تزيد مخاطر القطاع المالي في أفغانستان يوما بعد يوم، ليس بسبب تهاوي الوضع السياسي والاقتصادي والتهم المتلاحقة التي تواجه بعض البنوك العاملة في البلاد بالتورط في عمليات غسل أموال وتمويل إرهاب، لكنه يتعرض لخطر من نوع أخر يتمثل في عمليات ابتزاز وتهديد بالخطف والقتل من قبل عصابات إجرامية لأصحاب شركات الصرافة التي تتولى تلقي التحويلات من الأفغان المغتربين في الخارج وتغيير العملات وتدبير النقد الأجنبي للعملاء.
وبسبب تزايد تلك العمليات غير المشروعة فقد نظمت نقابة الصرافين في أفغانستان إضرابا عن العمل لعدة أيام على مستوى البلاد الأسبوع الماضي، احتجاجا على اختطاف أحد الصرافين المشهورين ويدعى عبد القيوم رحيمي المقيم في مدينة مزار شريف مركز بلخ شمالي البلاد، وأنهت النقابة الإضراب إثر الدخول في عملية تفاوض مع السلطات الأمنية تستهدف توفير حماية للصرافين المهددين.
ويأتي حادث اختطاف رحيمي بعد عشرة أيام من قتل أحد الصرافين في كابول ويدعى أمين هزار بوزي، بسبب مقاومته مهاجمين له أثناء عملية الاختطاف، ما دفع المسلحين الملثمين إلى إطلاق النار عليه وقتله.
وتتوقع نقابة الصرافين ارتفاع قائمة المختطفين والمغتالين من الصرافين خلال الفترة المقبلة، إذ إن معظمهم مهددون، ما جعل أعدادا كبيرة منهم يتوجهون إلى الخارج بصحبة رؤوس أموالهم، لا سيما إلى الإمارات وتركيا وأوزبكستان وتركمانستان.
بهذا الخصوص يقول رئيس نقابة الصرافين مير أفغان العضو في البرلمان الأفغاني، في بيان، إن مشاكل الصرافين كثيرة من أخطرها أن حياتهم وأولادهم وذوييهم في خطر، بينما الحكومة عاجزة عن فعل شيء، وأقصى ما تفعله هو تجديد وعود ليست إلا حبرا على ورق.
يضيف مير أفغان أنه خلال التسعة أشهر الماضية تدهورت الأمور أكثر، إذ خلال الأشهر الأربعة الماضية تم اختطاف 16 صرافا، ما يعني أن كل شهر يتم خطف أربعة تجار، علما بأن سلسلة الاختطافات لم تبدأ في هذه الأشهر، بل هي موجودة منذ سنوات، لكن مع تدهور الحالة الأمنية بمجملها تفاقمت الأمور في ما يتعلق بحياة الصرافين، مؤكدا أن من بين المختطفين هذا العام تم قتل تسعة منهم، ما يخيف آخرين ويشجعهم على نقل أعمالهم ورؤوس أموالهم إلى الخارج.
لكن نقابة الصرافين الخاصة بالعاصمة كابول ترفع رقم المختطفين لأعلى من الرقم السابق، وحسب بياناتها فإنه خلال الأشهر الماضية تم اختطاف 25 صرافا في العاصمة والمدن الرئيسية، في ظل عدم اتخاذ الحكومة أي خطوة إيجابية تشفي غليل الصرافين، تحديدا من تعرض منهم ومن ذويهم لعمليات الخطف.
أحد الصرافين ويدعى حاجي عبد الرؤوف ويعمل في سوق شهزاده المشهور في كابول يقول لـ”العربي الجديد” إن هذه الحالة المأساوية وتزايد عمليات الاختطاف تجعل الصرافين وأهاليهم في حالة نفسية سيئة، ويخاطب الصراف الخائف الحكومة قائلا: ” أهذا ما نستحقه مقابل ما نفعله من أجل الشعب في هذه الظروف العصيبة، نحن معرضون لكل تلك المخاطر، والحكومة باتت ساكتة لا تتحرك، وكأن لا شيء يحصل على أرض الواقع”.
الهروب مستمر
يضيف الحاج أنه خلال الأشهر الأخيرة غادر نحو 60 صرافا من المشهورين على مستوى البلاد، البلاد ونقلوا رؤوس أموالهم إلى الدول المختلفة، وتحديدا الإمارات وتركيا وأوزبكستان وتركمانستان، لأن الحياة إذا لم تكن آمنة ماذا عسى أن يفعله هؤلاء لتفادي المخاطر، مشيراً إلى أن سلسلة مغادرة الصرافين البلاد متواصلة وعلها تطول في الأيام القادمة، لا سيما وأن الوضع الأمني آخذ في التدهور، والحكومة لم تتخذ خطوات كفيلة بتوفير الأمن والاستقرار لشريحة الصرافين والتجار.
وحسب أرقام نقابة الصرافين على مستوى البلاد فإن عدد الصرافين المسجلين لدى الحكومة، يبلغ أكثر من 15 ألف صراف، وهؤلاء يملكون تراخيص عمل رسمية، وعندما يحصل أي حادث اختطاف يقوم هؤلاء بالإضراب عن العمل لأيام عدة حتى تتفاوض النقابة مع الحكومة من جديد، وتستأنف العمل، وفي كل مرة يخسر هؤلاء مبالغ ضخمة، ناهيك عن إرغام هؤلاء على ترك البلاد. كما تضيف النقابة أن أكثر من 200 ألف شخص يشتغلون في قطاع الصرافة، عدا الصرافين المشهورين، وكل هذا القطاع يتأثر نتيجة ما يحصل حاليا.
وحول التأثيرات النفسية لعملية استهداف الصرافين والتجار في باكستان من قبل العصابات يقول “داد غول” أحد الصرافين في كابول لـ”العربي الجديد” إن الأضرار المالية التي نتعرض لها أقل من الأضرار النفسية والمعيشية والاجتماعية، إذ إن كثيرا منا مرضى نفسيين، لقد منع بعضنا أولادهم من الذهاب إلى المدارس بعد حادث قتل مسلحين أبنة صغيرة لأحد الصرافين في العام الماضي بعد أن خطفها مسلحون مجهولون من أجل الحصول على الإتاوة المالية، حدث ذلك في منطقة “بروزي جديد” في كابول، لكن قبل أن يدفع أبوها المال للخاطفين أقدموا على قتلها.
مدينة هرات
وبعد العاصمة كابول من حيث أرقام استهداف الصرافين تعد مدينة هرات في غرب البلاد من أكثر المدن التي تشهد أحداث اختطاف واغتيال الصرافين، وهي من المدن التجارية الكبيرة في أفغانستان. وفي شهر يونيو/حزيران الماضي سيرت مظاهرات للتجار والصرافين في المدينة بعد تعرض اثنين من الصرافين لعملية خطف، ولا تزال عمليات الخطف مستمرة رغم وعود الحكومة بالتصدي للمسلحين الخارجين على القانون الضالعون في تلك العمليات.
يقول بهاو الدين رحيمي وهو مسؤول نقابة الصرافين على مستوى إقليم هرات، في بيان، ” خلال هذا العام تم اختطاف تسعة صرافين، وقد تم الإفراج عنهم مقابل مال، حيث يبلغ حجم الأموال التي دفعت إلى المسلحين أكثر من مليون دولار”.
كما يذكر المسؤول أن معظم أعمال الاختطاف ينفذها المسلحون في ملابس قوات الأمن المختلفة، موضحا أن هناك مسلحين داخل المدينة يشهرون السلاح وهم تابعون لأمراء الحرب، والسلطات الأمنية عاجزة عن التصدي لهم والسيطرة عليهم، ولا يُستبعد أن يكون هؤلاء وراء عمليات الاختطاف التي تستهدف الصرافين، كما أن ظاهرة حمل السلاح في يد المسلحين الخارجين على القانون تتيح الفرصة لغيرهم أيضا بحمله، وهذا ما تفعله العصابات التي تقف وراء خطف واغتيال التجار والصرافين.
“العربي الجديد” وصلت إلى أحد التجار الذي نقل جزءا كبيرا من أمواله إلى خارج البلاد مع ذويه، هربا من التهديدات الأمنية ويدعى محمد صابر الذي يقول لمراسلنا “كنت أكسب المال كثيرا، ولكن بلا أمن ولا راحة، كانت حياتي وحياة أولادي في خطر، وبالتالي قررت نقل عملي من أفغانستان وذهبت إلى إحدى دول الجوار، اشتريت منزلا هناك وتعيش أسرتي براحة وطمأنينة.
ورغم ذلك أبقى صابر جزءا من عمله في كابول لكي يجمع ما بقي له من الأموال مع الناس، ويدير أبن أخته تلك الأعمال، ولكن فترة بقائه في كابول مؤقتة، كما يقول، ومن أجل جمع صفقاته وأعماله.
اقتصاد متهاو
وتعليقا على التهديدات الخطيرة التي تلاحق تجار وصرافي أفغانستان يقول الخبير الاقتصادي محمد ولي زار لـ”العربي الجديد” إن هذه مصيبة كبيرة، فبلد كأفغانستان التي تسير أمورها بأموال الأجانب والمساعدات الدولية تحتاج إلى التطور الاقتصادي الهائل، وكل التجار، سواء كانوا الصرافين أو غيرهم غير آمنين في أفغانستان، وبالتالي هم يفضلون الذهاب إلى الخارج، والأمر بالنسبة لهم سهل، لأن لديهم أموالا، وفي الكثير من الدول هناك فرص عمل لهم ولأموالهم، ولكن الذي يخسر هنا هو بلادنا أفغانستان، التي تعيش في حالة اجتماعية ومعيشية وأمنية سيئة.
أما موقف الحكومة فوعود مكررة كما يقول العاملون في قطاع الصرافة. وهو ما يلاحظ في تصريحات الناطق باسم الداخلية الأفغانية طارق آرين التي أدلى بها في حديثه مع لـ”العربي الجديد” قائلا: إن الحكومة تعي جيدا مدى معاناة شريحة الصرافين والتجار، وإنها لا تألو جهدا في الوصول إلى التحقيق في شكاواهم، وتوفير الأمن والحماية لهم، مؤكدا أن أفغانستان بحاجة إلى دعم مالي، وقطاعا الصرافة والتجارة يلعبان دوراً كبيراً في هذا الخصوص، معرباً عن أمله في نجاح عملية السلام، وتحسن الوضع الأمني بشكل عام، وهو ما سينعكس إيجابا على حياة جميع المواطنين، لا سيما العاملين في قطاعي الصرافة والتجارة.