الأوروبيون يسعون للحاق بالأميركيين في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بالدفاع

من المبكر اليوم توقع التأثير الذي ستحدثه قمة الذكاء الاصطناعي الدولية التي استضافتها باريس ليومين (الاثنين والثلاثاء) على المسار الذي سيسلكه هذا الفتح العلمي والتكنولوجي الجديد للسنوات القادمة.

لكن المؤكد أن القمة نجحت في إسماع صوت ثالث إلى جانب اللاعبين الرئيسيين اللذين هما الولايات المتحدة والصين، وهو الصوت الأوروبي الذي كان غائباً أو مغيباً، والذي استعان بمساهمة ودعم أطراف دولية تشعر هي الأخرى بالتهميش.

ويريد الأوروبيون أن يكونوا حاملين راية «الصوت الثالث» فيما يعتبرونه، وفق تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقابلة تلفزيونية مطولة ليل الأحد – الاثنين، «التحدي الاستراتيجي الرئيسي».

وما أضفى على القمة شيئاً من الدراماتيكية أنها تأتي بعد ثلاثة أسابيع من عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، والراغب، على ما يبدو، في انتهاج سياسة متشددة إزاء الأعداء والأصدقاء بمن فيهم الأوروبيون.

وإذا كان ترمب قد غض الطرف عن تلبية الدعوة التي وجهت إليه لحضور القمة، غير أنه أرسل نائبه جيمس ديفيد فانس إلى باريس مصحوباً بكبار الفاعلين في هذا القطاع الواعد.

والتقى ماكرون فانس قبل ظهر الاثنين نائب رئيس وزراء الصين زهانغ غيوكينغ، فيما سيلتقي ظهر الثلاثاء نائب الرئيس الأميركي في إطار غداء عمل. كذلك تلتقيه رئيسة المفوضية الأوروبي أورسولا فون دير لاين، في اليوم نفسه.

ويترقب المشاركون التعرف على الخطة الأوروبية التي ستطرحها الأخيرة لدفع الذكاء الاصطناعي الأوروبي إلى الأمام، وخصوصاً الموارد التي ستخصصها المفوضية بهذا الخصوص.

ذكاء اصطناعي من غير قيود
قمة باريس هي الثالثة من نوعها. فقد عقدت قبلها قمتان في العامين الأخيرين: الأولى في لندن في عام 2023، والثانية في سيول في العام اللاحق.

والفرق بينهما وبين ما يجري في باريس أن الطرف الفرنسي استبدل كوريا الجنوبية، شريكة بريطانيا في تنظيم القمتن، بالهند التي قال عنها ماكرون، في حديثه التلفزيوني المشار إليه، إنها تخرّج مليون مهندس في العام، وإنها الورقة الرابحة للمستقبل.

من هنا، يفهم حضور رئيس وزرائها مودي الذي يترأس القمة بالتشارك مع ماكرون، كما أنه سيقوم بزيارة رسمية لفرنسا عقب انتهائها.

ووفق مصادر فرنسية، فإن باريس تنظر إلى نيودلهي على أنها «الحصان الرابح» بما توفره من كفاءات، ولحجمها سواء الديموغرافي أو الاقتصادي أو العلمي.

وترافقت قمة باريس مع اجتماع لأطراف «الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي» التي تضم 44 دولة، والغرض منها تمكين جميع الأطراف من الاستفادة من فوائد التكنولوجيا الجديدة وتبني «حوكمة عادلة»، وقياس تأثير التكنولوجيا الجديدة على سوق العمل والبيئة، وتعزيز الزراعة المستدامة وحماية الملكية الفكرية.

وبمناسبة الاجتماع، تم قبول 7 أعضاء جدد: كمبوديا، ومالطا، ورومانيا، والمغرب، وكازخستان، وكرواتيا ورواندا.

بيد أن الأوروبيين الذين يتخوفون من الإجراءات الأميركية الهادفة إلى التخلي عن أي قواعد تحكم عمل الشركات الفاعلة في هذا القطاع، لا تريد بدورها أن تشكل كابحاً يمنع تطورها في أوروبا.

لذا، فإن المسؤولين الأوروبيين يواجهون ضغوطاً من أجل تمكين شركاتهم من منافسة الشركات الأميركية والصينية بعيداً عن الأغلال التي يمكن أن تعيقها.

وفي مقال نشرته صحيفة «لو موند» في عددها ليوم الاثنين، كتب سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، أنه «إذا كنا نريد النمو والوظائف والتقدم، فيجب علينا السماح للمبتكرين بالابتكار وللبناة بالبناء وللمطورين بالتطوير».

ويدفع ماكرون في هذا الاتجاه؛ إذ أعلن في حديث الأسبوع الماضي لمجموعة من الصحف الفرنسية أن «هناك احتمالاً أن يقرر البعض ألا تكون هناك قواعد، وهذا أمر خطير.

ولكنْ هناك أيضاً احتمال معاكس، إذا قيدت أوروبا نفسها بالكثير من القواعد». وخلاصته أنه «لا ينبغي لنا أن نخاف من الابتكار».

الذكاء الاصطناعي والصناعات الدفاعية
ليس سراً أن الاتحاد الأوروبي يبحث عن «استقلاليته الاستراتيجية» التي زاد منسوب الحديث عنها ربطاً بمخاوف الأوروبيين من خطط ترمب إزاء أوروبا والحلف الأطلسي.

ويشجع الأوروبيون شركاتهم الفاعلة في الذكاء الاصطناعي على التعاون فيما بينها في القطاع الدفاعي، الذي شهد، الاثنين، توقيع اتفاقية بين الشركة الفرنسية «ميسترال» والشركة الناشئة الفرنسية – الألمانية – البريطانية «هلسينغ».

والغرض منها، وفق غيوم لامبل، المدير العلمي وأحد مؤسسي «ميسترال» إحداث ثورة في قطاع «الدفاع» بفضل الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي أثنى عليه أنطوان بورد نظيره في شركة «هلسينغ»، الذي اعتبر أن الأوروبيين «يمتلكون كل المقومات للنجاح في هذا المشروع شرط أن ينخرطوا فيها كلياً».

وقال مصدر أوروبي إن ما تسعى إليه الشركتان يشبه إلى حد بعيد ما سبق لشركة «أوبن آي آي» مبتكرة تطبيق «تشات جي بي تي» وشركة «أندوريل» المتخصصة في التكنولوجيات الدفاعية من أجل تسخير الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية. وكان هذا الموضوع أحد الملفات التي تم بحثها بمناسبة القمة الباريسية.

بيد أن ما ستقوم به «هلسينغ» و«ميسترال» ليس سوى نقطة في بحر ما تقوم به الشركات الأميركية العملاقة في الذكاء الاصطناعي بما يخص التطبيقات العسكرية التي بدأت إماطة اللثام عنها منذ نحو شهر.

فشركة «غوغل» التي يوجد رئيسها حالياً في باريس، أعلنت يوم 4 فبراير (شباط) عن تخليها عن مبدأ الامتناع عن تطوير التكنولوجيات العسكرية إذا كانت تتسبب بإصابات لدى الأشخاص، مكتفية بالقول إنها «تلتزم مبادئ القانون الدولي».

علماً بأن تسريباً لصحيفة «واشنطن بوست» بيّن أن الجيش استخدم في حربه الأخيرة، إن في غزة أو في لبنان، «بعض أدوات غوغل».

كذلك بينت وثائق نشرتها صحيفة «غارديان» البريطانية أن «مايكروسوفت» تعاونت مع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عملياته العسكرية منذ خريف عام 2023، ما يعني أن الأوروبيين أطلقوا مبادرة خجولة في محاولة اللحاق بالركب الأميركي.

بيد أن «ميسترال» الفرنسية، التي تعد رائدة في قطاع الذكاء الاصطناعي والتي تلقى دعماً مباشراً من الرئيس الفرنسي ومن المفوضية الأوروبية، تريد أن تقوم بالمزيد.

من هنا، أعلن رئيس «ميسترال» أرتور مينش، مساء الأحد بمناسبة حديث تلفزيوني، عن عزم شركته على إنشاء أول مركز بيانات مخصص للذكاء الاصطناعي في فرنسا، مؤكداً أن «عدة مليارات يورو» خصصت لهذا المشروع الذي سيكون مقره جنوب العاصمة الفرنسية.

وبحسب مينش، فإن السبب الكامن وراء اختيار فرنسا «يعود لكفاءتها في استخدام الطاقة، وجودة مزيج الطاقة لديها من حيث انبعاثات الكربون» في إشارة إلى أن 70 في المائة من الطاقة الكهربائية يتم إنتاجها من خلال المفاعلات النووية التي تعد طاقتها «نظيفة» بعكس الفحم الحجري أو البترول.

وتعتزم «ميسترال» افتتاح هذا المركز الذي سيشغل آلاف عدة من الأمتار المربعة، خلال الأشهر المقبلة، وفق ما أكدته لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

109 مليارات يورو من الاستثمارات
قبل أسابيع، أعلن ترمب عن قيام تحالف بين العملاق الأميركي «أوبن إيه آي» ومصرف «سوفت بنك» الياباني وصندوق «إم جي إكس» الإماراتي قيمته 500 مليار دولار.

وجاء الرد الفرنسي على لسان الرئيس ماكرون، الذي أعلن مساء الأحد، عن استثمارات قيمتها 109 مليارات يورو.

ووفق مصادر الإليزيه، فإن الجانب الأكبر من الاستثمارات سيخصص لمراكز البيانات.

ويعد الصندوق الإماراتي المساهم الأكبر، إذ وقع اتفاقاً بين أبوظبي وباريس على أن يستثمر ما بين 30 و50 مليار يورو في بناء أكبر «كامبوس» للذكاء الاصطناعي في أوروبا، بما في ذلك مركز بيانات ضخم بقدرة 1 ميغاوات.

ويليه في القيمة الصندوق الكندي «بروكفيلد»، الذي التزم باستثمار 20 مليار يورو (حتى عام 2030)، وهو أيضاً سيعمد إلى إنشاء مركز بيانات شمال فرنسا.

وتكر السبحة مع مجموعات أميركية مثل «أمازون» وصندوق «أبولو» وصناديق أخرى بريطانية ويابانية، فضلاً عن التزامات الشركات والمؤسسات الفرنسية الخالصة.

وبحسب الإليزيه، فإن هذه النتائج الإيجابية هي حصيلة العمل الذي قام به ماكرون منذ بضع سنوات. وقد ترأس الأخير اجتماعاً في الإليزيه بعد ظهر أمس من أجل وضع اللمسات الأخيرة على هذه الاستثمارات، التي تبين أن فرنسا «ستكون قطباً رائداً» في عالم الذكاء الاصطناعي.

مصدرالشرق الأوسط - ميشال أبونجم
المادة السابقةسوق الدين الخليجية تتجاوز تريليون دولار بنمو سنوي 10 %
المقالة القادمةارتفاع أسعار العقارات لا يعني أنّ هنالك عمليات عقارية ضخمة