“الإقصاء المالي”: اللبنانيّون يخرجون من النظام المصرفي

اليوم، وبفعل الانهيار المصرفي الذي حصل منذ عامين وشهرين، وفي ظل استمرار تدهور الأزمة المصرفيّة من دون أي أفق للحل، تتجه البلاد تدريجيًّا إلى ما هو نقيض الشمول المالي تمامًا، أي الإقصاء المالي، بما يعنيه من إخراج شرائح واسعة من المقيمين من النظام المصرفي وعزلهم عن خدماته. وخروج المقيمين من النظام المصرفي اليوم، يتعلّق أولاً بضمور المصارف وعدم قدرتها على تأمين أبسط الخدمات الماليّة المتوقّعة منها، بالإضافة إلى نفور المقيمين من النظام المصرفي وانعدام الثقة بعمليّاته وخدماته.

تشير أرقام مصرف لبنان إلى أن عدد بطاقات الدفع المصرفيّة الموجودة في السوق، تراجع لغاية شهر أيلول من هذا العام بنحو 222 ألف بطاقة، مقارنة بالفترة المماثلة تمامًا من العام الماضي. وبعد هذا الانخفاض الضخم، بات عدد البطاقات المصرفيّة المستخدمة محليًّا لا يتجاوز حدود 38% فقط من إجمالي المقيمين، ما يشير إلى أن غالبيّة المقيمين باتت خارج نطاق الاستفادة من وسائل الدفع المصرفيّة. كما تشير أرقام المصرف المركزي أيضًا إلى أن عدد ماكينات الدفع الالكتروني الموجودة في المحال التجاريّة (أي الـPOS) ، والتي تتيح استخدام البطاقات لسداد ثمن المشتريات، تراجعت بحدود 4,444 ماكينة خلال الفترة نفسها، ما يعني أن المحال التجاريّة نفسها تخلّصت من وسائل الدفع المصرفيّة. مع الإشارة إلى أن عدد ماكينات السحب النقدي في المصارف تراجع كذلك بنحو 208 ماكينة خلال هذه الفترة.

في الواقع، تمثّل هذه الأرقام أقصى تراجع في نسبة المستفيدين من خدمات البطاقات المصرفيّة منذ حصول الانهيار المصرفي في أواخر العام 2019. وهذا التطوّر مرتبط بجملة من الأسباب، ومنها القيود القاسية على عمليّات السحب النقدي بالليرة اللبنانيّة، التي بدأت المصارف بالتشدّد في تطبيقها منذ أكثر سنة، والتي دفعت شرائح واسعة من اللبنانيين إلى التخلّص من خدمات توطين الراتب في المصارف، وتفادي الاحتفاظ بأرصدة مصرفيّة بالليرة اللبنانيّة. وبسبب القيود على السحوبات أيضًا، أحجمت فئات واسعة من القطاعات التجاريّة عن قبول الدفعات بالبطاقات المصرفيّة، ما جعل هذه البطاقات غير مفيدة كوسيلة دفع في معظم المحال التجاريّة.

عمليًّا، يرتبط التراجع في عدد البطاقات المصرفيّة أيضًا بإحجام المصارف عن إصدار بطاقات الائتمان (أي الـCredit Card)، بفعل أزمة السيولة التي يمر بها القطاع المصرفي، والتي لا تسمح فعليًّا بمنح أي قروض، ولو على شكل بطاقات محدودة الرصيد. ولهذا السبب بالتحديد، تشير إحصاءات المصرف المركزي إلى أن أكثر من نصف هذه البطاقات خرجت من الخدمة منذ حصول الانهيار المصرفي.

 

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالبنزين اللبناني إلى سوريا من جديد: هل ستعود الطوابير؟
المقالة القادمةالشامي: الحكومة اتفقت على تقدير خسائر القطاع المالي عند 68-69 مليار دولار