أضحت الإنترنت المجانية خلال الرحلات الجوية منتجا ذا أهمية كبيرة لدى بعض شركات الطيران التي تعوّل على أحدث التقنيات لتقدّم لزبائنها خدمة تُشعرهم كأنهم “في المنزل” بعدما بقيت لسنوات من الخدمات الباهظة وغير الموثوقة في أحيان كثيرة.
وتتنافس شركات من جميع أنحاء العالم بدءا من دلتا إلى يونايتد مرورا بالخطوط الجوية اليابانية وأير فرانس منذ أسابيع على إصدار الإعلانات بشأن إطلاق أو تمديد عروض الاتصالات على متن طائراتها.
وبالنسبة لقطاع اعتاد زبائنه على الدفع مقابل خدمات كانت مجانية سابقا، مثل الأمتعة واختيار المقعد، باتت الشركات تعد زبائنها “بسرعة عالية جدا وخدمة إنترنت لاسلكي مجانية تماما”، بحسب إعلان نشرته الخطوط الجوية الفرنسية في نهاية سبتمبر.
ويأمل فابيان بولو، مدير تجربة الزبائن في شركة الطيران الفرنسية، بأن تشكّل هذه الخدمة التي سيبدأ اعتمادها اعتبارا من عام 2025، نقلة نوعية للركاب، مقرّا بأن العرض الذي تقدمه أير فرانس حتى الآن في هذا المجال “ليس مرضيا”.
ويوضح بولو لوكالة فرانس برس “نظرنا إلى حالة السوق، وهناك لاعبون جدد، بما في ذلك ستارلينك، يقدمون من خلال تقنيات مختلفة مستوى من الجودة يعادل تقريبا الإنترنت في المنزل”.
وتعود أولى تجارب الإنترنت على متن الطائرات إلى عام 2004 مع شركتي بوينغ ولوفتهانزا. ومذاك، طورت شركات مثل فياسات وباناسونيك وتاليس منتجات تزود بها مئات الأجهزة.
وأدت مجموعات الأقمار الاصطناعية مثل تلك الخاصة بشركة ستارلينك إلى “تغيير قواعد اللعبة”، وفق ما قال سيث ميلر، صاحب منصة باكس إكس المتخصصة في الخدمات المقدمة للزبائن على الطائرات.
وفي الولايات المتحدة، تجهز الشركة التي يملكها الملياردير إيلون ماسك بالفعل طائرات خطوط هاواي الجوية والناقل الإقليمي جي.أس.إكس.
وبينما تقع أقمار الاتصالات التقليدية المستقرة بالنسبة إلى الأرض على ارتفاع 35 ألف كيلومتر، تعمل الكوكبات على ارتفاع حوالي 600 كيلومتر، ما يقلل من زمن وصول الإشارات المرتبطة بتقنيات الاتصال، مع عرض نطاق مناسب لبث الفيديو.
ويتيح ذلك للزبائن زيادة مستوى التخصيص في رحلاتهم، حيث يتطلع المسافرون باستمرار إلى خوض تجارب استثنائية خلال التنقل من مكان إلى آخر وهم في الجو.
ويقول بول تشيامباراتو، الأستاذ في الإستراتيجية والتسويق في كلية مونبلييه للأعمال في جنوب فرنسا، “لن نعتمد بعد الآن على قائمة خيارات السينما الخاصة بشركة الطيران، وسنكون قادرين على الاستمرار في الوصول إلى أمازون برايم ونتفليكس”.
وبالنسبة للشركات، يرتدي تقديم “خدمة عالية الجودة وبالمجان أيضا أهمية قصوى” لناحية رضا الزبائن وبالتالي ولائهم، وفق ميلر.
غير أن مصطلح “مجاني” قد لا يكون دقيقا تماما، على ما يؤكد جو ليدر، المدير العام لاتحاد شركات الطيران لتجربة الركاب (أبيكس) ومقره الولايات المتحدة، إذ يشبّه هذه العروض بـ”نموذج فيسبوك”.
وتحصر شركات دلتا ويونايتد أيرلاينز وأير فرانس خدمة الواي فاي عالية السرعة هذه بأعضاء برامج الولاء الخاصة بها. وهذه العضوية مجانية لكنها تفتح مجالا جديدا للعمليات التسويقية.
ويوضح ليدر لوكالة فرانس برس “كما قال أصدقاؤنا في شركة دلتا علنا، ينتهي الأمر بواحد من كل ثمانية أعضاء جدد في برنامج سكاي مايلز الخاص بهم بالحصول على بطاقة دلتا الائتمانية، ما يوفر تعويضا يفوق تكلفة خدمة الواي فاي للركاب السبعة الآخرين”.
ويتوقع ليدر أن بعض المسافرين سيفضّلون عدم التسجيل ببرامج الولاء هذه والدفع مقابل الحصول على اتصال بالإنترنت، وتنصح أبيكس الشركات بالاستمرار في تقديم هذا البديل.
وفي الخطوط الجوية الفرنسية، سيستغرق تركيب شبكة الإنترنت اللاسلكي من ستارلينك على طائراتها التي يزيد عددها عن 220 وقتا.
ويتطلب ذلك استثمارا بـ”عشرات الملايين من اليوروهات”، وفق بولو الذي يعكس هذا الاختيار بالنسبة له إستراتيجية للنمو في نطاق الشركة والتمايز مع منافسيها.
ويقول “أنا مقتنع بأن خلال ثلاث إلى أربع سنوات، لن يتقبل أحد عدم وجود اتصال مقبول (بالإنترنت) على متن الطائرة”.
سيشكل وصول النطاق العريض تحديات جديدة للشركات وموظفيها، الذين يضطرون منذ زمن إلى التعامل في بعض الأحيان مع ركاب غير منضبطين وخلافات بين الجيران على المقاعد.
ويوضح تشيامباراتو “لا أحد يرغب في تمضية 12 ساعة أثناء رحلة جوية عابرة للمحيطات بجانب شخص يجري مكالمة عبر سكايب”، مضيفا “كما أنّ ركابا كثيرين يرغبون في استخدام الطائرة كمكان للانقطاع عن الاتصالات”.