في الوقت الذي تمر فيه أسواق الشرق الأوسط بطفرة في ريادة الأعمال وتزايد في عدد الشركات الناشئة، لا يزال الاستثمار المغامر يشق طريقه إليها بصعوبة رغم التحولات الاقتصادية والدعم الحكومي وظهور نماذج أعمال مبتكرة تخدم التوظيف والنمو.
سجلت الشركات الناشئة حول العالم بداية قوية من حيث التمويل خلال الربع الأول من العام الجاري، بفضل الاهتمام الكبير من قبل الحكومات بتطوير قطاع ريادة الأعمال.
ومع ذلك فإن منظومة رأس المال المغامر (الجريء) في أسواق الشرق الأوسط تواجه مفارقة، إذ تمتلك الصناديق السيادية والمكاتب العائلية في المنطقة تريليونات الدولارات، بينما تجد الشركات الناشئة صعوبةً في الحصول على التمويل اللازم للتوسع.
ويكمن جوهر المشكلة في وجود فجوة في رأس المال المغامر المخصص للاستثمار خلال مراحل النمو المتقدمة، لاسيما في مرحلة التمويل من الفئة الثانية أو ما يعرف بـ”السلسلة ب” وما بعدها.
وفي منطقة أصبحت مركزا مهما للطروحات العامة الأولية خلال السنوات الماضية، يهدد ذلك بإبطاء تدفق الشركات الجاهزة للطرح العام الأولي في المنطقة.
وتهيمن الشركات المملوكة للحكومات والشركات الخاصة الراسخة منذ وقت طويل على موجة الإدراجات العامة الأحدث في الشرق الأوسط.
ووفق منصة البيانات ماغنيت، ومقرها دبي، فإن أقل من 6.5 في المئة من الشركات الناشئة الممولة في المنطقة قد طرحت أسهمها للاكتتاب العام خلال العقد الماضي.
ويعتقد فيليب بحوشي الرئيس التنفيذي لماغنيت أنه “رغم توافر رأس المال في المنطقة، فإن الطلب عليه كبير، سواء إقليميا أو محليا.”
ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى بحوشي قوله “في حين أن صناديق الثروة قد استثمرت في كيانات معنية بتخصيص الأموال في المنطقة، فإن مستوى توظيف تلك الأموال لا يزال صغيرا نسبيا مقارنةً بالاستثمارات العالمية.”
وتطرق إلى أمثلة بخصوص الاستثمارات السيادية مثل صندوق الصناديق (جدا) وسنابل للاستثمار ومبادلة فنتشرز وصندوق حي دبي للمستقبل في الإمارات.
وأثّرت هذه القيود حتى على شركات مثل بروبرتي فايندر، ومقرها دبي، والتي تدير بوابة عقارية إلكترونية في واحدة من أكثر أسواق العقارات نشاطا في العالم.
واضطرت الشركة إلى البحث عن تمويل لمرحلةٍ متقدمة خارج منطقة الخليج. وجمعت 20 مليون دولار من شركة في.أن.في غلوبال السويدية في جولة تمويلية من الفئة “ب.”
وقادت شركة جنرال أتلانتيك جولة تمويلية لها من الفئة الثالثة، ثم تدخل صندوق الائتمان الخاص التابع لشركة فرانشيسكو بارتنرز الأميركية عندما سعت بروبرتي فايندر لجمع 90 مليون دولار عبر الديون.
وقالت نجلاء المدفع، نائب الرئيس والعضو المنتدب لصندوق الإمارات للنمو، “عندما تجمع الشركات التي تأسست في الإمارات تمويلاً من الخارج، فإننا لا نخاطر بفقدان التمويل فقط، بل حقوق الملكية الفكرية، والوظائف، والطروحات العامة الأولية في نهاية المطاف.”
وأضافت المسؤولة في الصندوق المدعوم من الحكومة والذي يركز على دعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة “إذا أردنا طروحات عامة قوية ومحلية المنشأ، فعلينا دعم الشركات في مرحلة التوسع هنا برأس مال مؤسسي يتسم بالصبر ومصمم خصيصا للمنطقة.”
وقال مايكل لحياني، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة بروبرتي فايندر، إن “جمع رأس مال من الخارج لا يعني بالضرورة أن الشركة الناشئة يجب أن تُدرج أسهمها خارج الشرق الأوسط.”
ولكنه أشار إلى أن نقص التمويل للمرحلة المتقدمة قد يعني أن الشركات الناشئة الواعدة لن تصل أبدا إلى مرحلة الجاهزية للطرح العام، بغض النظر عن الموقع الذي قد تُدرج فيه في نهاية المطاف.
وحتى الشركات المحلية التي نجحت في جذب ممولين دوليين، مثل تابي ولين تكنولوجيز وآيوا، غالبا ما تشكّل استثناءً وليس قاعدة. وتخطط واحدة على الأقل من هذه الشركات، وهي تابي، للطرح العام الأولي.
وقالت تالا الجابري، مؤسسة شركة وايلد في.سي التي تتخذ من السعودية مقرا لها وتستثمر في تابي، متحدثةً عن نقص التمويل من الفئة الثانية إن “إحدى المشكلات الرئيسية هي العزوف عن المخاطر، والسبب في ذلك أنه لا يوجد في الواقع سجل أعمال يُعول عليه.”
وفسرت ذلك بالقول إن “القلق يتمثل في أن الأموال قد تبقى عالقة، وأن نمو الشركة قد يتباطأ، وتصبح فرص التخارج محدودة.”
كما أن انسحاب المستثمرين الدوليين الذين كانوا يقودون جولات التمويل الكبرى في المنطقة يزيد الأمور تعقيداً، فبعد فترة الازدهار في 2021 و2022، يركّز كثيرون منهم الآن على أسواقهم المحلية ودعم استثماراتهم القائمة وسط تنامي حالة عدم اليقين العالمية.
ومع ذلك، تظهر بعض المؤشرات على حدوث تغيير، إذ تطلق حالياً شركة بيكو كابيتال، التي شاركت في تمويل جولة الفئة الأولى لشركة بروبرتي فايندر، صندوق نمو بقيمة 250 مليون دولار.
أما صندوق الإمارات للنمو فهو كيان بقيمة 272.3 مليون دولار موجّه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تركز على التصنيع والصحة والأمن الغذائي والتقنيات المتقدمة.
وكثّفت شركات أخرى، مثل الرياض المالية، حضورها في مشهد الشركات الناشئة بالشرق الأوسط.
وبحسب بيانات بلومبيرغ، قادت الشركة مؤخرا جولة تمويل لشركة نينجا للتوصيل فائق السرعة، والتي انضمت إلى نادي اليونيكورن، وتخطط للطرح العام الأولي في 2027.
ومع ذلك يأمل لحياني، الرئيس التنفيذي لبروبرتي فايندر، في توجيه المزيد من رأس المال المؤسسي، خصوصا من الصناديق السيادية، نحو صناديق رأس المال الجريء المحلية كشركاء محدودين للمساهمة في سد فجوة التمويل من الفئة الثانية.
وحذّرت شركة غلوبال فنتشرز من أنه إلى حين ظهور صناديق أكبر في المنطقة، قد تواصل الشركات الناشئة قضاء أشهر في ترتيب الجولات التمويلية الأكبر.
وتُعيد الصناديق في الوقت الحالي تركيز رأس المال في مدن مثل سان فرانسيسكو، وذلك في ظل الاهتمام الشديد بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وقال ألكسندر لازارو، مؤسس شركة رأس المال الجريء فلوينت فنتشرز، إن “هناك مركز اهتمام رئيسيا، بحيث إذا كنت شركة ذكاء اصطناعي في وادي السيليكون، فسيكون من السهل جدا أن تجمع التمويل.”
وتابع “أما إذا كنت أبعد جغرافيّا، فالأمر أصعب بكثير الآن مما كان عليه قبل بضع سنوات. هذا ببساطة هو المزاج السائد حالياً في قطاع التكنولوجيا.”