يؤكد احد المسؤولين في القطاع الخاص ان الاقتصاد الكلي الوطني ما زال “مكربجا” رغم محاولات هذا القطاع التأقلم مع المتغيرات التي حصلت منذ العام ٢٠١٩ وتحويل الركود الحاصل في مختلف القطاعات الاقتصادية الى فرص للنهوض والانطلاق نحو التعافي الاقتصادي، ولكن رغم كل المحاولات لم يتمكن الاقتصاد من الخروج من القمقم الذي وضع فيه، كما تدل المؤشرات الاقتصادية انها ما تزال سلبية .
ووفقاً لأحدث تقرير للمرصد الاقتصادي للبنان الصادر عن البنك الدولي، فإن آثار وانعكاسات الصراع الدائر المتمركز في غزة تُمثّل صدمة إضافية كبيرة لنموذجَ النمو الاقتصادي اللبناني غير المستقر. وما لم يتم تنفيذ خطة شاملة لحل الأزمة، فلن تكون هناك استثمارات طويلة الأجل ومجدية، وسيعاني لبنان مزيدًا من التآكل في رأسماله المادي والبشري والاجتماعي والطبيعي.
وبقول جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي: “في ظل التقدم المحدود نحو خطة شاملة لحل الأزمة، لا يزال لبنان غارقًا في أزمة اجتماعية واقتصادية ومالية كبرى، تفاقمت بسبب الجمود المؤسسي والسياسي. وبالرغم من أن السياحة ساهمت إيجابياً في النمو الاقتصادي خلال الفترة الماضية، لا يمكن لقطاع السياحة وحده أن يكون بديلاً عن محركات النمو الأكثر شمولاً واستدامةً وتنوعًا، والتي يمكنها أن تساعد البلاد على تحمل الصدمات بشكل أفضل والمساعدة في إعادة اقتصادها إلى مسار التعافي القوي.”
ويؤكد المسؤول في القطاع الخاص الذي بدا مستغربا الاستمرار في فرض المزيد من الضرائب والرسوم في موازنة ٢٠٢٥ الذي اطلع على الخطط الموضوعة لزيادة ايرادات الدولة والتي ستؤثر سلبا في اوضاع المؤسسات في القطاع الخاص، ان غياب اي خطة للنهوض الاقتصادي او خارطة طريق لاعادة العافية الى الاقتصاد يعطي ضبابية في المشهد الاقتصادي ويطرح اكثر من علامة استفهام حول امكانية انقاذ هذا الاقتصاد الذي وصل الى ادنى مندرجاته واعتباره احد اسوأ ثلاث ازمات منذ اواسط القرن التاسع عشر حسب البنك الدولي في احد تقاريره التي ينشرها عن لبنان. والدليل على ذلك ان البلد خسرت ٦٧ في المئة من حجم نتاجها المحلي ليقتصر حجم الناتج اليوم على اقل من ٢٠مليار دولار، وفي حال الاستمرار في المراوحة فالتخوف من عدم القدرة على انقاذ هذا الاقتصاد الذي يعاني منذ اكثر من اربع سنوات ولم يوجد له الحلول لانطلاقته مجددا.
قد يعزو هذا المسؤول الاقتصادي السبب الى الاوضاع السياسية المتردية وعدم انتخاب رئيس للجمهورية الذي يعيد الانتظام الى المؤسسات الدستورية وعدم تطبيق الاصلاحات التي ينادي بها صندوق النقد الدولي رغم الاتفاق المبدئي الذي عقد معه في نيسان ٢٠٢٢.
ولعل الامال التي كانت معلقة على القطاع السياحي كما حدث في صيف ٢٠٢٣ قد خابت مستبعدا في ظل استمرار حرب غزة وتداعياتها على لبنان ومع الحظر الذي فرضه عدد من الدول الخليجية والاوروبية، مجيء سياحها الى لبنان.
ويضيف هذا المسؤول معددا نقاطا اضافية لهذا الركود الاقتصادي واهمها عدم وضع مشروع اعادة هيكلة القطاع المصرفي موضع التنفيذ لان القطاع المصرفي هو الاساس في اي اقتصاد والممول الرئيسي في اي عملية نهوض اقتصادي، اضافة الى عدم بت في موضوع تحديد الخسائر وترميم الفجوة المالية واعادة الودائع لاصحابها، والفساد الذي ما زال مستشريا في مختلف ادارات الدولة، والاختلال في الميزان التجاري حيث عاد لبنان الى حجم الاستيراد الكبير اي حوالى ١٩مليار دولار بينما لم تستفد الصناعة من الفرص التي اعطيت لها خلال هذه الازمة بل بقي التصدير بحدود ٣ الى مليارات دولار فقط وقد تكون الحجة اقفال بعض الاسواق الخليجية بوجه الانتاج اللبناني، علما ان هذه الاسواق كانت تشكل حجر الاساس لهذا القطاع .
ويتابع الاقتصادي بالقول: هذا دون التحدث عن تداعيات الهجرة وخصوصا من قبل الشباب وارتفاع نسبة الفقر التي تخطت ال ٨٠ في المئة من مجموع الشعب اللبناني الاستمرار في النزف الحاصل في الاقتصاد بسبب الوجود السوري في لبنان، واقفال العديد من المؤسسات التي لم تتمكن من الصمود وارتفاع نسبة التضخم وتراجع القوة الشرائية لدى المواطن رغم دولرة الرواتب والاجور، كل ذلك يؤدي الى نتيجة ان اقتصادنا ما زال “مكربجا” راكدا غير قادر على النهوض دون خطة او خارطة طريق .
لعل ابلغ دليل على ما وصلت اليه الاوضاع الاقتصادية من تأزم وركود الزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الذي زار المسؤولين لعل وعسى ان يكونوا قد باشروا الاصلاحات، الا ان هذا الوفد فوجىء بانه لم يتغير اي شيء وما زال الاقتصاد يعاني منذ الانهيار المالي والمصرفي والاقتصادي.