لا يخفي ضجيج الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مناطق شاسعة من لبنان، قرقعة بنادق الصيادين التي لقّمت مجدداً تحضيراً لانطلاق موسم الصيد. إلا أن خارطة العدوان الإسرائيلي الجغرافية هذا العام، بدّلت من وجهة الصيادين، فحوّلت هذا الموسم من مناطق البقاع الأكثر تضرراً بالعدوان الإسرائيلي، الى قرى الشمال الجردية لا سيما عكار، العريضة، جبيل، جبل لبنان، والبترون، الهادئة أمنياً. لتنزح مع الصيادين أيضاً الأموال التي ينفقونها في تغذية هوايتهم وإنعاشها.
لا شيء يمنع الصيادين عملياً من ممارسة هوايتهم متى توالى عبور أسراب الطيور المهاجرة في سماء لبنان بدءاً من نهاية شهر أيلول وحتى نهاية شهر تشرين الثاني. فخطط هؤلاء البديلة حاضرة دائماً للإلتفاف على أي ظرف يحول دون ممارستهم لهوايتهم المفضلة. هكذا كانت في بدايات الأزمة الاقتصادية التي بددت قيمة الليرة مقابل سعر الخرطوشة المحتسب بالدولار، وهكذا بقيت خلال جائحة كورونا التي لم تمنع تجمعاتهم في السهول وبالجرود. وهم بدأو حالياً يغردون فعلاً عن موسم يتحضر لهجرة طيور أوسع في نهاية الأسبوع الجاري، مع إنخفاض إضافي بدرجات الحرارة.
سوق الصيادين
لا عوائق طبيعية أمام الموسم الحالي، ولكنه سيء لناحية الظروف الأمنية، وخصوصاً في منطقة البقاع. وعليه قد لا يخرق هدوء ساحات الصيد في هذه المنطقة سوى بضعة طلقات لصيادين محليين، خلت لهم جبهات جرود القاع وراس بعلبك الآمنة نسبياً من الاعتداءات الإسرائيلة. وهذا ما انعكس سلباً، ليس فقط على المؤسسات التي تبيع أسلحة الصيد والخرطوش، والتي تتوزع بنسبة 70 في المئة على طول الخط الممتد من شتورا حتى القاع، وفقاً لما يشرحه رئيس نادي الصيادين في لبنان إيلي المزرعاني، وإنما أيضاً على محطات البنزين، ومحلات بيع الألبان والأجبان والمأكولات، وبشكل خاص على مؤجري الغرف والشاليهات التي ازدهرت في السنوات الماضية ولا سيما في منطقة القاع بحيث بات عدد مضافات الصيادين يناهز الـ500 وفقاً لمزرعاني.
أهمل الصيادون هذا العام بوابتي العبور في القاع والهرمل، وزحفوا الى بوابة العريضة. وهذا ما خلّف تداعيات واسعة على قطاع اقتصادي انتعش بفضل موسم الصيد في منطقة البقاع، وبالتالي فرض على مقدمي الخدمات لهذا القطاع، خوض معارك صمود جديدة لتجنب خساراتهم الناجمة عن زيادة الاستثمارات فيه خلال السنوات الماضية.
لا يعوض فتح بيوت الضيافة والشاليهات أمام حركة النازحين من القرى التي تتعرض لعدوان إسرائيلي في المقابل، أرباح موسم هجرة الطيور بالنسبة لمؤجري هذه المساحات. إذ أن الشاليه المؤجر بمئة دولار في الليلة للصياد، لا تتعدى أجرته حالياً الـ300 الى 400 دولار شهرياً بالنسبة للنازحين، مع الأخذ في الإعتبار أيضاً سلوكيات النازح الإنفاقية التي تكون متقشفة جداً بالمقارنة مع قاصدي المنطقة في رحلة رفاهية تخلو عادة من الحسابات التقشفية.
إلا أن الحرب التي قضت على موسم الصيد شرقاً أنعشت الحركة في شمال لبنان، البعيد حتى الآن عن استهدافات إسرائيل، وإن بدت الأخيرة أقل جهوزية في تلقف أعداد الصيادين الذين نزحوا إليها. ويبدو أن ضيق الأماكن المخصّصة لمبيت الصيادين، أوقعهم في مصيدة مستغلي الفرص ممن رفعوا أجرة مواطئ القدم في بساتينهم الواقعة على خط هجرة الطيور. وبعضهم ممن يساهم في خرق القوانين، وخصوصاً بظل الفوضى التي تتسبب بها حالة الحرب، وغياب الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية وانعدام رقابتها على تطبيق قوانين الصيد وحماية الطيور.
تجاوزات بيئية
المقلق في ظل ظروف الإفلات من قيود القوانين بحسب مزرعاني، هو ما تتعرض له بعض أنواع الطيور، كـ”السمّن” مثلاً، من عملية إبادة، يتسبب بها صيادون لا يكتسبون صفة “فروسية الهواية”، بل يطلق عليهم لقب “مجمعي لحم الطيور”. وهؤلاء هم ممن ينصبون الأفخاح لها ليلاً فيمنعون ظهورها نهاراً. علماً أن العدوان الإسرائيلي، وعدم قدرة الصيادين على بلوغ جرود برقة ودير الأحمر التي تظهر فيها طيور السمّن بشكل كبير، تشكل دافعاً إضافياً للجوء البعض إلى هذه الأساليب غير القانونية. ومن هنا يرى مزرعاني أن للبلديات دوراً أساسياً في منع كل صياد يظهر مع مصباح إنارة وخيمة وشجرة إصطناعية ليلاً وتغريمه، مطالباً وزارة الداخلية بإصدار قرار يحمّل البلديات هذه المسؤولية، حتى لو كنا في ظرف حرب إستثنائي.
وإذ يشير مزرعاني في المقابل الى تعاظم ظاهرة “المقاوص” غير الشرعية في مناطق الشمال، يتحدث عن اصطدام الصيادين بتقلص مساحات الصيد، ما يجعلهم يتجمعون في مساحة جغرافية محدودة. ولكنه يعتبر أيضاً أن الظرف قد يكون ملائماً لإنعاش حركة الصيد بشكل أفضل في هذه المنطقة، مع تقديم خدمات إضافية شبيهة لتلك الموجودة في منطقة البقاع، خصوصاً أن معبر العريضة يشكل الى جانب معبري القاع والهرمل الباب الأول لهجرة الطيور.
ولفت إلى ما يشكله قطاع الصيد من حلقة اقتصادية منعشة ليس فقط للمنطقة التي يحط فيها إنما لخط السير المؤدي إليها. وقد بدأ فعلاً بعض الأشخاص يستفيدون من هذه الحركة شمالاً، من خلال تأجير الشاليهات و”البنغالوهات” للصيادين. علماً أن بعض هؤلاء الصيادين تعرفوا لأول مرة الى المقومات المتوفرة لممارسة هوايتهم شمالاً، وربما يعيدون الكرّة في المواسم المقبلة من دون ضغط الظروف القسرية التي حملتهم على هجرة مقاوص البقاع التي شكلت وجهتهم الوحيدة سابقاً.