يُهدد التغيّر المناخي الاقتصاد اللبناني بخسارة نحو 2% من الناتج المحلّي بحلول عام 2040، بحسب تقرير صادر حديثاً عن البنك الدولي. وأهم القنوات التي يمكن التحرّك من خلالها للحدّ من هذه الخسارة، استهداف قطاع الطاقة الذي يعدّ من أكبر مسببات التلوّث في لبنان. لذا، يقترح البنك استثمار 770 مليون دولار بحلول عام 2027، في مشاريع إنتاج الطاقة بواسطة الشمس، والتحوّل إلى معامل كهربائية مركزية على الغاز، بالإضافة إلى مزيد من الاستثمارات في قطاعات النقل والمياه والنفايات، ولا سيما أن الخسارة ستبلغ في قطاع الزراعة نحو 250 مليون دولار سنوياً، وفي السياحة بقيمة 75 مليون دولار سنوياً.أصدر أمس، البنك الدولي تقريره الدوري بشأن «المناخ والتنمية في لبنان». يتحدّث التقرير عن الانعكاس الاقتصادي للتغيّر المناخي والأثر الناتج من ارتفاع درجات الحرارة في لبنان بين 1.7 و2.2 درجة مئوية بحلول سنة 2040. وبحسب نماذج الاقتصاد الكلي التي استخدمها البنك الدولي، فإن التغيّر المناخي سيؤدي إلى انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي بحلول 2040 بنسبة تتراوح بين 1.1% و2.0% من الناتج المحلي الإجمالي. الأضرار الأساسية التي يتسبب بها التغيّر المناخي هي عبارة عن فيضانات، وانخفاض في المحاصيل، وتراجع إمدادات المياه المُتاحة للاستخدام، بالإضافة إلى انخفاض إنتاجية العمّال بسبب ارتفاع الحرارة، وانخفاض مستويات الأمطار.
يتوقّع البنك الدولي أن تؤدي تأثيرات تغيّر المناخ على الاقتصاد إلى فقدان الوظائف بنسبة 2% في الزراعة والنقل والتجارة. لكن القطاع الزراعي سيتأثّر بشكل مباشر، إذ يتوقع أن ينخفض توافر المياه بنسبة تصل إلى 9% بحلول عام 2040 (وتصل إلى 50% خلال موسم الجفاف)، وهو أمر سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع الزراعي الذي يعدّ الأكثر استفادة من المياه «وقد تصل الخسائر في القطاع إلى نحو 250 مليون دولار سنوياً». كذلك يتوقّع أن تؤدّي تأثيرات تغيّر المناخ مجتمعة، إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل المرويّة بنسبة تتراوح بين 0.3% و8.7%، والمحاصيل البعلية بنسبة بين 3.5% و7.5%. أيضاً، سيتأثّر القطاع السياحي سلباً بنحو 75 مليون دولار سنوياً، إذ يشكّل ارتفاع درجات الحرارة مع انخفاض هطول الأمطار، مساراً يؤدّي إلى انخفاض عدد أيام الثلوج بمقدار يتراوح بين 6 أيام و9 أيام في عام 2030، ومن 38 يوماً إلى 50 يوماً في عام 2050.
سيؤدّي توليد 4.2 غيغاواط من الطاقة الشمسية إلى خفض كلفة الكهرباء بنسبة 60%
يرى البنك الدولي أن قطاع الطاقة هو أحد أبرز القطاعات التي يمكن أن تُسهم في تخفيف حدّة التغيّر المناخي. فعلى المدى القصير، يحتاج لبنان إلى استثمارات بقيمة 770 مليون دولار في قطاعات الخدمات والنمو الرئيسية. فاستمرار الوضع الراهن في قطاع الطاقة في لبنان يزيد الانبعاثات واستيراد الوقود، أي يزيد الأكلاف سواء بالدولار الأميركي أو كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب التقرير، إذا اعتُمدت الإصلاحات بما يتماشى مع سيناريو التعافي، فسيؤدي ذلك إلى توفير كهرباء بأسعار معقولة، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار بنسبة 41%، كما سيؤدي إلى انخفاض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 43%، مصحوباً بتلوّث أقلّ للهواء. وهذه الإصلاحات تتضمّن استثمارات كبيرة في الطاقة الشمسية على نطاق المرافق والاستثمارات المحدودة في توليد الكهرباء على الغاز الطبيعي. «إذا اتخذت خطوات نحو التعافي، فمن المتوقع أنه بحلول عام 2030، سيؤدّي توليد نحو 4.2 غيغاواط من الطاقة الشمسية إلى خفض كلفة الكهرباء بنسبة 60%، بالإضافة إلى تأمين قدرة إنتاجية لتلبية الطلب المتزايد.
إضافة إلى قطاع الطاقة، يرى البنك الدولي أن تعزيز عملية تحويل قطاع النقل إلى السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى تحسين إدارة النفايات الصلبة، هما أحد المسارات التي تعمل على التنمية الاقتصادية ومواجهة التغيّر المناخي. فقطاعا النقل والنفايات الصلبة ينتجان معاً نحو 31% من انبعاثات الغازات الدفيئة في لبنان سنة 2019. ويقدّر البنك أن يؤدي النشر التدريجي لنحو 4000 فان يعمل بواسطة الكهرباء، ونحو 2000 باص كهربائي، إلى تقليص الانبعاثات بنسبة 5.4% سنوياً بحلول عام 2040. هذا التحوّل يحتاج إلى استثمار نحو 900 مليون دولار على المدى الطويل. وهذه الإصلاحات ستسهم في تحسين جودة خدمة النقل العام، ما سينعكس أيضاً على نمو الاقتصاد.