يقود البنك الدولي خطة منع الكهرباء عن لبنان. وزارة الطاقة أنجزت كل ما طلبه لجهوزية البنية التحتية التقنية والإدارية والمالية وما يتصل منها مع الأطراف المعنية في سوريا والأردن ومصر، إلا أن البنك الدولي يمتنع عن الموافقة على التمويل في انتظار «دراسة جدوى سياسية»
لماذا يعرقل البنك الدولي اتفاقية تمويل استجرار الكهرباء من الأردن وشراء الغاز لمعامل الكهرباء من مصر؟ لا جواب لدى وزير الطاقة وليد فياض. كل ما يعرفه الوزير أن البنك يريد إجراء دراسة جدوى سياسية داخلية. لا يعلم الوزير أيضاً الهدف من هذه الدراسة ولا توقيتها ولا الخلفية التي تدفع المؤسسة الدولية إلى القيام بها. فيما يرفض البنك، عبر القنوات الرسمية، تقديم أي جواب في هذا الشأن. العبارة الوحيدة رداً على هذا السؤال من مسؤولين في البنك اتصلت بهم «الأخبار» أكثر من مرّة، هي: «رفعنا السؤال إلى الإدارة، وليس لديها أي تعليق».
هناك الكثير من الغرابة يحيط بهذه المماطلة التي يفتعلها البنك الدولي وبتوقيتها. إذ إن كل ما طلبه لجهة الشروط المتعلقة بالمرحلة الأولى المتفق عليها، أي مرحلة المفاوضات، قد نُفّذ. كما أُنجز جزء آخر يتعلق بالمرحلة الثانية المتعلقة بما يمكن تسميته «شروط التفعيل» أو الشروط المواكبة للتنفيذ، رغم أن هذا الجزء ليس مطلوباً من أجل السير في التمويل.
يستعيد فياض كل ما اتُّفق عليه مع البنك الدولي مسبقاً لتمويل عقدَي استجرار الكهرباء من الأردن وشراء الغاز من مصر، من دون أن تتبيّن له أسباب واضحة للعرقلة. جدول الأعمال التقني ــــ الزمني المتفق عليه مع البنك الدولي واضح جداً ولا يحتاج إلى تأويل: هناك خمسة شروط على الجانب اللبناني تنفيذها أثناء عملية التفاوض، وثلاثة أثناء التنفيذ.
المطلب الأساس كان يتعلق بموافقة مجلس الوزراء على خطّة الكهرباء. استغرق ذلك بعض الوقت وتخللته تجاذبات سياسية، لكن مجلس الوزراء أقرّها في وقت أقل مما كان متوقعاً. «في النتيجة، قمنا بما يجب القيام به وكما هو مطلوب. وتقنياً، كل ما يتعلق بالبنية التحتية لاستقبال الكهرباء من الأردن والغاز المصري، صار جاهزاً» وفق فياض.
خطّ الكهرباء بين لبنان والأردن كان يحتاج إلى صيانة في الأراضي السورية، فتبرعت الحكومة السورية وأنفقت نحو 6 ملايين دولار لصيانته. كما أُنجز، بناءً على طلب البنك، إجراء ما يسمى «مواءمة الشبكة» بين سوريا والأردن للتأكّد من أن الشبكتين في البلدين جاهزتان للعمل بتناغم بينهما من دون أي تشويش أو تذبذب. وفي ما يتعلق باستجرار الكهرباء من الأردن، أنجز العقد بين الأطراف المعنية ووافق عليه مجلس الوزراء، متضمناً كل ما يتعلق بأسعار الكهرباء المرتبطة بسعر النفط وسائر التفاصيل.
ومع مصر، كانت هناك مجموعة مشاكل أبرزها صيانة خطّ الغاز. ويوضح فياض: «أخذنا مليون دولار من مصرف لبنان وأنفقناه على صيانة الخط بالتعاون مع الشركة المصرية التي ستقوم بتشغيله مستقبلاً، وهو اليوم أصبح جاهزاً ومضغوطاً بالنيتروجين تمهيداً لاستبدال هذه المادة بالغاز الذي سيضخّ». وبناءً على طلب البنك الدولي، أجرت شركة سيمنز ومؤسسة كهرباء لبنان كشفاً فنياً على محطة دير عمار لاختبار جهوزيتها لاستقبال الغاز، «وقمنا بجولة في سوريا بحضور ممثلي الفريق المصري للتأكّد من نوعية مواصفات الغاز وكميته، وتبيّن أن المواصفات ملائمة للاستعمال في معامل الإنتاج في لبنان، وأن الكمية التي يمكن سوريا تزويد لبنان بها تفوق بأضعاف الكمية التي يحتاج إليها لبنان. فسوريا قادرة على ضخّ نحو 9 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، فيما حاجة لبنان تقتصر على 1.8 مليون متر مكعب يومياً، أي أنهم قادرون على إعطائنا المزيد».
لم تتوقف شروط البنك الدولي الذي طلب أيضاً تأمين حماية لخط الغاز، ولا سيما أنه كان يتعرض باستمرار لعمليات تخريب هدفها الأذى فقط. وعليه، أجرت وزارة الطاقة استدراج عروض لشركة أمن متخصصة مهمتها حراسة خطّ الغاز من عمليات كهذه. كذلك اشترط البنك الدولي إجراء دراسة تقييم أثر بيئي قبل التنفيذ وأثناءه وبعده، و«تعاقدنا مع استشاري أجرى كل التقييم اللازم وقدّم لائحة بكل المبادرات المتصلة بالمراحل المختلفة. وبما أن الأمر ضمن شروط البنك الدولي وهو الذي يدفع بواسطة القرض الذي سيمنحه للبنان بهذا الخصوص، تعاقدنا مع الاستشاري على إدارة تنفيذ المبادرات البيئية خلال فترة التنفيذ، علماً بأن الأمر يتضمن السلامة العامة في معمل دير عمار بعد عدة حوادث حصلت سابقاً».
لم يكتف البنك الدولي بهذه الشروط، إذ طلب أيضاً تدقيق حسابات مؤسّسة كهرباء لبنان. لذلك، يقول فياض، «استدرجنا العروض مع المكاتب المدرجة ضمن لائحة وزارة المال للتدقيق في المؤسسات العامة، ورسا العرض على المكتب الأقل كلفة، وبدأ العمل. كما عُيّن استشاري لوضع منهجية تحديد أولويات الدفع في مؤسسة كهرباء لبنان قياساً على المستحقات. كان الهدف ترشيد الإنفاق في المؤسسة حتى لا تكون هناك أولويات استنسابية ووساطات… وقد صنّف التسديد لشراء الغاز أولوية، ولصيانة المحطات والشبكات… وعلى هذا الأساس، سيتم تحديد طريقة الدفع». وبحسب لائحة الشروط، طلب البنك الدولي تخصيص أموال لصيانة محطة دير عمار، إذ لا يمكن تشغيل المعمل من دون عقد صيانة، لذا «طلبنا من مجلس الوزراء تخصيص الأموال فوافق على استعمال حصّة لبنان من حقوق السحب وتمويل عقود الصيانة والتجهيزات المرتبطة بها بقيمة 60 مليون دولار من حقوق السحب وبقيمة 18 مليون دولار من الأموال المتوافرة في حساب مؤسسة كهرباء لبنان والتي جرى تحويلها من الليرة إلى الدولار على سعر صيرفة».
وفي الشرط المتعلق باستمرارية التسديد بالدولار، استحصلت وزارة الطاقة على تعهد خطي من مصرف لبنان بأنه في حال حاجة مؤسسة كهرباء لبنان إلى مبالغ مستحقة للسداد، سيقوم المصرف بتحويل الليرات من حساب المؤسسة إلى دولارات على سعر صيرفة. «وبطلب من البنك الدولي أيضاً، نصّ وزير المال رسالة لمصرف لبنان لإطلاعه على أنه لا شروط مسبقة لحصول المؤسسة على الدولارات على سعر صيرفة».
كذلك الأمر بالنسبة إلى الشرط المتعلق باتفاقية شراء الغاز من مصر. فقد طلب البنك الدولي أن تكون جاهزة خلال التنفيذ، وليست شرطاً يسبق التنفيذ، وهذا الأمر انطلق وبات في مراحله النهائية التي يمكن إنجازها خلال فترة التجهيزات المتعلقة بتوقيع العقد. لكن فجأة، قرّر البنك الدولي أن يكون الاتفاق منجزاً كشرط أساسي لانطلاق المرحلة الثانية.
وهذا التعديل في شروط البنك الدولي ليس سوى الذريعة التي يتذرع بها من دون أي مبرّرات واضحة، لتأخير وصول الغاز إلى معامل الكهرباء في لبنان وتأخير وصول الكهرباء من الأردن. فالمسألة ذات طابع سياسي بحت تتعلق بدراسة الجدوى السياسية التي لا يفهم منها سوى أن البنك يريد أن يضمن من تمويل استجرار الكهرباء والغاز مكاسب سياسية لأصحاب القرار فيه.
يقول فياض: «يقولون إن الأمر سياسي. لا أعلم بالتحديد ما هو المقصود، لكنهم يجرون دراسة جدوى سياسية داخلية».