يراقب المحللون بقلق التغييرات التي يتعرض لها المعروض النقدي في القطاع المصرفي المصري، وذلك نظرا لتأثيرها على مستوى الأسعار والتضخم وسعر الصرف والدورة الاقتصادية بشكل عام.
وأظهرت بيانات حديثة نشرها البنك المركزي الأسبوع الماضي أن البنوك المصرية أصبح لديها فائض من الأموال بالجنيه على مدى الأسابيع القليلة الماضية، الأمر الذي قد يضعها أمام خطر خفض جدارتها من قبل وكالة التصنيف الائتماني.
وقال مصرفيون ومحللون إن ذلك نتج عن عدم تلبية الطلب على العملة الأجنبية وتدفق الأموال من شهادات الإيداع ذات العائد المرتفع في البنوك الحكومية.
وأكدوا أن المبالغ الفائضة تشير إلى زيادة ندرة العملات الأجنبية مما يفرض ضغوطا جديدة على مصر لتخفض قيمة عملتها.
والمعروض النقدي أو المخزون النقدي هو الكمية الإجمالية للأصول النقدية المتاحة في السوق، وتتضمن المعايير الثابتة عادة العملة المستعملة في التداول والودائع تحت الطلب، بما يشمل المودعين بسجلات المؤسسات المالية التي يسهُل الوصول إليها.
وذكرت مونيكا مالك من شركة أي.دي.سي.بي في أبوظبي لرويترز أن “ذلك يعكس الحاجة إلى سيولة نقدية بالعملات الأجنبية لتسوية الطلب المتراكم حتى خلال خفض قيمة العملة”.
وتلقى المركزي في عطاء للودائع ذات الفائدة الثابتة لأجل أسبوع عروضا الثلاثاء الماضي بقيمة 1.29 تريليون جنيه (41.7 مليار دولار)، ولم يقبل منها إلا 150 مليار جنيه فقط، وذلك دون تغيير كبير عن المبالغ التي قبلها في كل من العطاءات منذ يوليو الماضي.
ويرى مصرفيون أن ارتفاع حجم الطلب على الودائع يرجع إلى حد بعيد إلى جمع الشركات للجنيه من أجل الاستيراد ثم تجد أن البنوك ليس لديها سوى القليل من العملات الأجنبية.
وذكر محلل آخر طلب عدم نشر اسمه لرويترز أن ذلك “مؤشر حقيقي على أزمة الدولار في مصر”. وأضاف “عادة ما تزيد السيولة بالجنيه في حالة نقص السيولة بالدولار والعكس صحيح”.
وزاد نقص العملة الأجنبية بالسوق بعدما ثبت المركزي سعر صرف العملة أمام الدولار في مارس الماضي حتى مع تزايد المعروض النقدي.
وواجهت البلاد ضغوطا خلال العامين الأخيرين نتيجة نقص شديد في السيولة الدولارية، بفعل تخارج 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، ما أدى إلى خفض قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ مارس 2022 حتى يناير من العام الحالي.
وتسبب ذلك في انتعاش السوق السوداء للمضاربة على العملة، لتصل الفجوة بين السعرين الرسمي بالبنوك والموازي إلى أكثر من مئة في المئة.
وقفز المعروض النقدي، الذي يشمل العملة المتداولة والودائع تحت الطلب بالعملة المحلية، بنسبة 36.24 في المئة في العام الماضي.
ودخلت أموال جديدة أيضا إلى النظام المصرفي بعد أن باع البنك الأهلي وبنك مصر شهادات ادخار لأجل عام بقيمة 642 مليار جنيه (20.8 مليار دولار) للأفراد في يناير الماضي.
وحلت الشهادات، التي تمنح عائدا يصل إلى 27 في المئة، محل شهادات مستحقة بقيمة 460 مليار جنيه (14.9 مليار دولار) صدرت قبل عام.
وتفضل البنوك، في ظل عدم يقينها من مصير المفاوضات طويلة الأمد مع صندوق النقد الدولي، إبقاء أموالها في أدوات قصيرة الأجل.
وقدمت في عطاء على أذون خزانة لأجل 91 يوما في الثامن عشر من فبراير الماضي عروضا بقيمة 232.8 مليار جنيه، أي أكثر من كل آجال الاستحقاق الأخرى مجتمعة، ولم يقبل المركزي سوى 81.5 مليار جنيه بعائد 27.3 في المئة في المتوسط.
وبلغ متوسط العروض على أذون الخزانة لأجل 91 يوما المقدمة في يناير بأكمله نحو 107 مليارات جنيه فقط.
واختارت بنوك كثيرة أيضا الاحتفاظ بالأموال في ودائع لليلة الواحدة لدى البنك المركزي بعائد يبلغ 21.25 في المئة.
وأودعت البنوك الخميس الماضي 513.9 مليار جنيه في ودائع ليلة واحدة، لكن هذا المبلغ انخفض بحلول الثلاثاء من هذا الأسبوع إلى 211 مليار جنيه.
وفي نوفمبر الماضي، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، تصنيف 5 بنوك مصرية، درجة واحدة، مع نظرة مستقبلية مستقرة، بسبب ضعف البيئة التشغيلية وأداء الاقتصاد الكلي، إضافة إلى ارتفاع حيازتها من السندات الحكومية.
وخفضت الوكالة تصنيف الأهلي المصري وبنك مصر والقاهرة والتجاري الدولي، إلى سي.أي.أي 1 من بي 3، فيما تم خفض بنك الإسكندرية إلى بي 3 من بي 2.
وتفاقم إجمالي عجز صافي الأصول الأجنبية للبنوك المحلية، شاملة البنك المركزي، ليسجل مستوى تاريخيا عند 27.2 مليار دولار في نهاية 2023، بزيادة 1.1 في المئة عن الشهر السابق، وفق بيانات نُشرت على منصة المركزي مطلع فبراير.
والأصول الأجنبية للبنوك هي ما تمتلكه من ودائع ومدخرات بالعملة الأجنبية وتكون قابلة للتسييل في الأوقات التي يحتاج فيها البنك إلى سيولة لسداد التزاماته.
وأرجع المركزي تفاقم العجز بنهاية ديسمبر الماضي إلى ارتفاع إجمالي عجز صافي الأصول الأجنبية للبنوك المصرية بسبب زيادة الالتزامات وتراجع هذه الأصول لديها.
وبدأ صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي رحلة التراجع منذ أكتوبر 2021، ثم تحوّل إلى قيمة سالبة، بما يعني أن الالتزامات بالعملات الأجنبية تجاوزت الأصول التي يمتلكها من غير العملة المحلية، وذلك بداية من فبراير 2022.
وفسر الخبير المصرفي محمد عبدالعال في تصريح لبلومبرغ الشرق هذه الوضعية بزيادة الالتزامات عليها من النقد الأجنبي، سواء لتمويل اعتمادات مستندية بغرض الاستيراد أو سداد التزامات خارجية.
وارتفعت الالتزامات بالعملة الأجنبية على البنوك المصرية بنحو 27 مليون دولار خلال شهر، لتسجل نحو 29.77 مليار دولار بنهاية ديسمبر.
كما تراجع إجمالي الأصول الأجنبية التابعة للبنوك المصرية بنحو 400 مليون دولار خلال شهر ديسمبر ليسجل الإجمالي نحو 13.61 مليار دولار بنهاية 2023.
في المقابل، تراجعت الالتزامات بالعملة الأجنبية على المركزي بنحو 52 مليون دولار ليسجل الإجمالي 45.23 مليار دولار بنهاية ديسمبر.