شهر تقريباً، منحها مصرف لبنان للمصارف اللبنانية حتى تُعدّ «الخطوط العريضة» لخطّتها المستقبلية، تمهيداً لإعادة هيكلة القطاع. ثلاثة مصارف فقط التزمت بالمهلة القانونية، في حين أنّ البقية طلبت تمديداً. مصرف لبنان «انصاع» مُجدّداً لها، وسيُمدّد المهلة حتى نهاية العام
5 تشرين الثاني، كان الموعد النهائي لتتقدّم المصارف بخارطة الطريق «للتقيّد بالمتطلبات الرأسمالية وبالأنظمة المفروضة من مصرف لبنان». انتهت المُهلة، ولم تتسلّم لجنة الرقابة على المصارف سوى تقارير من 3 مصارف، من أصل 52 مصرفاً لبنانياً، في حين أنّ كلّ المصارف الأخرى طلبت تمديد المهلة، علماً بأنّ المصارف أُعطيت مهلة شهرٍ وأربعة أيام حتّى تُعدّ «مُلخّصاً عاماً» لخارطة الطريق، وليس الخطة التفصيلية، على أن تُقدّم الأخيرة مع بداية السنة الجديدة. حجّتها «الرسمية» أنّها بحاجة إلى مزيد من الوقت لبلورة التصوّر العام، وانتظار انعقاد مجالس الإدارة حتّى توافق عليها. إلا أنّ الحقيقة أنّ المصارف تتهرّب من تحديد خطّتها للمرحلة المُقبلة وحاجاتها الرأسمالية وخساراتها المُتوقعة، راميةً المسؤولية على «الدولة». ولأنّها غالباً ما «تجرّ» المصرف المركزي والمؤسسات الرسمية خلف مصلحتها، نجحت المصارف مرّة جديدة في انتزاع تمديدٍ جديد للمُهل. فمصرف لبنان يتّجه لإصدار تعميم جديد، يُمدّد فيه مُهلة تقديم «خارطة الطريق» حتّى تاريخ 31 كانون الأول 2020.
استناداً إلى المذكرة الرقم 15/2020، الصادرة عن لجنة الرقابة على المصارف، وموضوعها «خطّة التقيّد بالمتطلبات الرأسمالية»، كان يُفترض بالمصارف إعداد خطّة لتأمين الحاجات الرأسمالية تُراعي: «استراتيجية المصرف وخطّة عمله للسنوات الخمس المقبلة وتقديره لكيفية تطوّر وضعيته المالية وربحيته خلال هذه الفترة، المؤونات المطلوبة كحدّ أدنى على سندات الخزينة والقروض الممنوحة إلى مؤسسات القطاع العام في لبنان ومحفظة التوظيفات لدى مصرف لبنان، المؤونات المتوقع تكوينها في بيان الربح أو الخسارة على محفظة القروض والتسليفات وفقاً لتصنيفها بحسب المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS9». وقد أرفقت «لجنة الرقابة» مُذكرتها بنماذج «للتصريح عن الحاجات الرأسمالية والخيارات المنوي اعتمادها لتأمين هذه الحاجات، الوضعية المالية، وبيان الربح أو الخسارة المُختصرين المتوقعين لغاية سنة 2024»، على أن يجري تقييم الخطط المُقدّمة «وفق معايير عديدة، منها واقعية احتساب الحاجات الرأسمالية وقابلية تنفيذ الخيارات الموضوعة لتأمين هذه الحاجات».
هذه الخطط أُريد منها أن تُشكّل تمهيداً لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، عبر أن تكون تصفية المصارف المُتعثّرة «ذاتية»، عبر دفعها هي إلى التصريح عن خسائرها ورؤيتها المُستقبلية. وهذا بالضبط «الشَرْك» الذي تُحاول المصارف التفلّت منه. الحاكم رياض سلامة سبق أن رَفَض اقتراح نائبه السابق، محمد بعاصيري، إنشاء «المركزي» لِشركة تقوم باستملاك كلّ المصارف المُتعثّرة، مُفضّلاً أن تكون المعالجات فردية، بناءً على الحالة الخاصة لكلّ مصرف وحده. وأنشأ سلامة، في 16 تموّز الماضي، «لجنة إعادة هيكلة المصارف»، ترأسّها النائب الثاني للحاكم، بشير يقظان، وضمّت مُمثلين عن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وجمعية المصارف. مهامها كانت «دارسة اقتراح هيكلة المصارف، واقتراح التعديلات الضرورية على الضوابط الاحترازية لعمل المصارف، ودراسة الأداء المالي للمصارف اللبنانية، واقتراح الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة القطاع المصرفي». اجتماعات معدودة عقدتها اللجنة الخاصة قبل أن يتمّ وأد عملها، وينتقل الملفّ كلياً إلى لجنة الرقابة على المصارف، التي تلعب عملياً دور «الحمام الزاجل» بين المصارف من جهة، و«المركزي» من جهة أخرى، في ظلّ التخبط الحاصل حول الجهة المسؤولة عن إعادة هيكلة القطاع. اللافت أنّ المصارف، وبعد أن شنّت حرباً مُباشرةً وعبر لجنة «تقصّي الحقائق» النيابية، اعتراضاً على عدم استشارتها في ما يتعلّق بالقطاع المصرفي، رفعت اليوم صوتها اعتراضاً على طلب «المركزي» منها تقديم خطّة عملها المُستقبلية، مُعتبرةً أنّه «يجب على لجنة الرقابة والمصرف أن يُحدّدا المعايير المطلوبة»، وفق مُدير تنفيذي في أحد المصارف. مسؤول في «لجنة الرقابة» يعتبر أنّ «الأمر من مسؤولية مصرف لبنان، بصفته الهيئة الناظمة للقطاع».