التجربة اللبنانية للشركات العائلية – الدكتورة منى شريف البضن

أثارت تجارب الشركات العائلية في لبنان اهتمامي، وتحديداً انتقال السلطة من جيل إلى جيل، لأنها تجربة خاصة وعامة مررت بها واحتلت مساحة واسعة من حياتي. شدني الموضوع كثيراً لدرجة جعلتني أعتمده مادة البحث التي سأقوم بتقديمها كأطروحة لنيل درجة الدكتوراه، هذا إلى جانب أن الموضوع ذاته يحظى باهتمام جميع أصحاب الشركات العائلية.

انطلقت في هذه الدراسة عن التجربة اللبنانية من إشكالية تتعلق بالاستمرارية وقد سعينا إلى استخلاص النتائج بطريقة علمية، وقمنا بإجراء مقابلات مكثفة سعينا من خلالها إلى استيعاب مكونات الشركة العائلية، وتبعاتها، وكيفية انتقالها عبر الأجيال من خلال الدراسة الميدانية التي سنحاول تقديمها بإيجاز.

ركزت الدراسة على عدة متغيرات منها: الملكية، والإدارة والقيم العائلية، والشكل القانوني، والتخطيط الاستراتيجي، والخلافة ومتغيرات انتقال السلطة، والتعقد الإداري من خلال قياس مؤشرات النمو والتوسع وعدد العمال، وربطنا تلك المؤشرات بمقياس العمر والحجم. كذلك أبرزنا دور التقاليد والعرف في انتقال السلطة من جيل الى جيل.

ميدان الدراسة

ميدان الدراسة: هو الشركات العائلية اللبنانية التي تأسست قبل عام 1950 إلى سنة .2000 تم اختيار العينة بطريقة عشوائية منتظمة من كافة المناطق اللبنانية، ومن مختلف الأنشطة الاقتصادية.

توزع الشركات حسب القطاعات

 

توزيع الشركات جغرافياً

 

تأسست هذه الشركات في مجتمع تعتبر فيه عوامل التغيير سريعة، وكذلك عايشت هذه الشركات حروباً وحوادث أمنية، وأزمات اقتصادية مختلفة في تأثيراتها، حسب موقع الشركة وقربها الجغرافي من مناطق التماس أو ساحة القتال. يعود تاريخ تأسيس بعض هذه الشركات إلى العام 1857، إلاّ أن الدراسة ركزت على الفترة الممتدة من (1950 إلى 2000) لأن معظم الشركات العائلية التي تأسست في نهاية القرن التاسع عشر، غلب عليها الطابع الحرفي والبساطة في بدايتها، إلاّ أنها وبالرغم من نشأتها الحرفية العائلية الخاصة، تمكنت عن طريق التوارث التقليدي أن تنتقل عبر الأجيال. وقد مكنتها مواكبتها للحداثة وإتقانها لفن الإدارة العصرية والتطور التكنولوجي، مع فخرها بتاريخ تأسيسها العريق، أن تتجدّد في تأسيسها في الخمسينات. وما استخلصناه من المقابلات التي أجريت مع أصحاب الشركات أن طابع التوريث الذكوري كان الغالب، خاصة لمن كان يلعب أدواراً حيوية فيها.

الهيكلية الإدارية

إن توزيع العمل الإداري على أفراد العائلة يجسد العلاقات العائلية في إطار عملي يهدف الى استمرار الشركة عائلياً، والى تبنّي استراتيجية إدارية ذات أهداف واضحة.

يعتبر انضمام الأبناء الى العمل في الشركة مؤشراً جوهرياً يدل على أهمية استمراريتها. ويظهر التعاون بين الجيلين من خلال تأسيس مشاريع مثيرة بعد أن تنضم الأجيال معاً لتشكل شركات رائدة. ويبشّر هذا التعاون بمستقبل زاهر نتيجة انضمام جيل الأبناء إلى شركات الآباء، لأن الجيل الجديد يمتلك معرفة تقنية أوسع من الجيل السابق، وآلية تغيير علمية لمواجهة التحديات بكل حماس وطاقة. لهذا قام الأهل بإشراكهم وتنمية قدراتهم وتحميلهم عبء الإدارة، كما أنهم أنشؤوا معهم حوارات بهدف خلق التوازن بين توقعات الأهل التقليدية واهتماماتهم والتطوير وفق الإمكانيات التقنية الجديدة.

وفي ظل الثورات التكنولوجية والعلمية والإدارية اليوم، تعتمد العائلة مفهوم الحوار والتعاون بين الأجيال أكثر من ذي قبل، تحقيقاً للتوافق بين المتطلبات الإدارية في الشركة، ويجد هذا المفهوم القبول بين جيل الأبناء. وباتت الشركات العائلية تستوعب %75 من أبنائها وأحفادها في التوظيف مقارنة بـ %20 منذ ثلاثة أو أربعة عقود، ذلك لأن المفاهيم التي كانت تحكم العمل وتربطه بمفهوم الذكورة وتلغي دور المرأة في الشركات العائلية انقرضت سريعاً، وتغيرت المفاهيم الأسرية والنظرة التقليدية لجهة دخول المرأة ميدان العمل، وكذلك مفهوم أولوية الابن الأكبر الذي تحول إلى مفهوم من يمتلك المعرفة والمقدرة وحس المسؤولية أكثر من غيره؛ بمعنى أنه لم يعد العمر يعني لأفراد العائلة سوى كونه رقماً لا أكثر. والملاحظ أن نمو وتوسع حجم الشركة العائلية بات يعتبر عامل جذب ويحظى باهتمام جيل الشباب في العائلة.

وتبين لنا من خلال البحث الميداني أن من يتولى الإدارة في كل قسم هو من العائلة، ولديه شهادة وكفاءة في هذا المجال، وبات لديهم مديرون متخصصون في الهندسة الصناعية، والإدارة المالية، وفي المحاسبة وإدارة الأعمال والتسويق أيضاً. و تبيّن لنا من تحليل استمارة البحث أن نسبة أبناء العائلة الذين يحتلون المراكز الإدارية في الشركة بلغت إلى .%76 خاصة مع زيادة التعقيد الإداري في الشركات الكبرى التي تتطلب مزيداً من الاختصاصيين من أبناء العائلة.

الأجور:

يرتبط هذا المؤشر بدلالات ذات معنى على مستوى الفاعلين من أبناء العائلة، إذ أن المساواة في الأجر تختلف عن التساوي بالأرباح التي تتطلب مراعاة الأقدمية في العمل.

وتختلف معايير الأجر لأبناء العائلة بين شركة وأخرى، إذ أن بعضهم يميز بين من انضم حديثاً بعد تخرجه وبين من عمل لسنوات. وتبدو هذه المعايير عادلة من وجهة نظر الإدارة. أما إذا حدثت المساواة، في حالات التغليب العاطفي، فإنها تنتج شعوراً بالامتعاض والانزعاج بين الأبناء، الأمر الذي ينتج عنه انخفاض مستوى الأداء عند أبناء العائلة ونزاع مستتر لا يلبث أن يطفو على السطح عند أول تصادم، ما يفصح عن بداية حدوث النزاعات.

تصل نسبة التساوي في الأجر في الشركات العائلية اللبنانية إلى %62.54. إلا أنها تربط بالمهارة بنسبة %66.83 وتوزع الأرباح بالتساوي بنسبة .%70.42

الإدارة:

يظهر لنا المخطط البياني النسب المئوية لإدارة الأجيال: الجيل الأول %35، الجيل الثاني %50، والجيل الثالث %10، والجيل الرابع .%5 وهذا ما يؤكد على تعاقب الأجيال في الشركات العائلية اللبنانية.

حجم الشركات العائلية اللبنانية

يبين هذا الرسم البياني حجم الشركة قياساً إلى عدد العمال

• صغيرة يعمل فيها بين 10 و20 عاملاً
• متوسطة يعمل فيها ما بين 20 و 100 عامل
• كبيرة يعمل فيها أكثر من 100 عامل

يبين لنا الرسم أن حجم الشركات الكبيرة بلغ نسبة %25 يعمل فيها أكثر من 100 عامل. وقد وجدنا في شركتين كبيرتين 250عاملاً في الأولى و500 عاملاً في الثانية، وذلك في قطاع شركات الصناعة الغذائية والذي يعتبر هذا القطاع على رأس القطاعات الصناعية الأخرى.

ومما لا شك فيه أن عدد العمال، كمقياس للدلالة على حجم الشركة، متغير له قيمة، من حيث دلالته على مدى مساهمة الشركات العائلية اللبنانية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد تبين لنا أن نسبة %40 من الشركات الصغيرة، يعمل فيها بين العشرة والعشرين عاملاً. ويجدر القول إن مقياس عدد العمال في لبنان يحدد بثمانية عمال كمقياس للشركات الصغيرة. لكننا استعضنا عنه بمقياس من عشرة إلى عشرين.

وقد تبين لنا في عينة الدراسة أن الشركات المتوسطة الحجم، والتي توظف أيادٍ عاملة تتراوح بين ثلاثين ومائة عامل، تبلغ نسبتها %35 وتعود في سنوات تأسيسها إلى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات بنسب متفاوتة. وتعتبر هذه النسبة جيدة قياساً إلى عمر الشركة وحجمها. وتعتبر الشركات المتوسطة الحجم هي الأكثر انتشاراً في النظام الاقتصادي اللبناني.

وتصل نسبة حجم الشركات الكبيرة والتي تضم أكثر من 100 عامل إلى 25 %. وتعتبر من الشركات الكبيرة قياساً إلى حجم لبنان وعدد سكانه وهي شركات لديها فروع متوزعة ومنتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية. وتعود تلك الشركات في تأسيسها إلى الفترة ماب ين (1950 – 1980).

 

 

*مقتطفات من رسالة الدكتوراه التي تمت مناقشتها في الجامعة اللبنانية بتاريخ 2016/10/10

المادة السابقةتسعيرة جديدة لربطة الخبز
المقالة القادمةفياض: تم الاتفاق على اجراء المعاينة والتقييم لخط نقل الغاز الطبيعي الواصل بين سوريا ولبنان