قبل انفجار الأزمتين الصحية والإقتصادية وبدء المصارف تطبيق “الكابيتال كونترول” والخوف من Hair cut محتمل، كان القطاع العقاري يقف على حافة الإنهيار. فحجم ديون القطاع بلغ 20 مليار دولار، وتوقفت حركة البيع كلياً، والفوائد لامست 14 في المئة. ورغم المطالبات بإنقاذ القطاع الذي يمثل 25 في المئة من الناتج المحلي، لم يتخذ إلا إجراء واحد يتيم، حيث سمح “المركزي” للمصارف بتملك العقارات المتعثّرة، وتحصيل كامل قيمة الدين عينياً، مع إمكانية الاحتفاظ بالعقارات قبل تسييلها، لمدة 20 عاماً، بعدما كانت المدة الأقصى المسموح بها للمصرف سنتين.
مخالفاً للاتجاه الإنهياري لمعظم القطاعات، سبح بعض القطاع العقاري موقتاً بعكس تيار الأزمة، متمسكاً بطوق نجاة خوف المودعين على ودائعهم. فمحاولة تهريب الودائع العالقة والمجهولة المصير، بأي طريقة، تقاطعت مع مصلحة المطورين المدينين للبنوك، فتزاوجتا منفعياً، محققتين معادلة رابح رابح “win win solution”.
الأزمة مستمرة
هذه المصادفة لم تعنِ “الخلاص” بحسب نائبة رئيس جمعية مطوري العقار “ريدال” ميراي القراب. “انما كانت مجرد فرصة محدودة لمنع غرق القطاع بالديون، بعدما اعتبر المودعون ان الإستثمار في العقار هو الملاذ الآمن للحفاظ على جنى عمرهم”.
الأزمة اللبنانية لم تشذ عن سياق الأزمات العالمية لجهة الإستثمار بالعقارات والذهب، بوصفهما الملجأ الأضمن، انما الفرق في لبنان ان العملية كانت تتم دفترياً من حساب عميل مرعوب إلى حساب مطور مدين، لتصب في النهاية في مصلحة القروض المتعثرة في البنوك. وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإن الفريق الأخير، قد يكون الأكثر استفادة من عملية إعادة الجدولة التلقائية، وليس المطورين. فـ”المطورون المدينون لم يحققوا أي أرباح تذكر، انما استطاعوا تحديد خسائرهم”، تقول القراب.
أسعار الشقق في الفترة الماضية شهدت انخفاضا ملموساً، حيث قاربت ما كان يدفع في العام 2011 أو حتى أقل، “خاصة إذا كان الدفع يتم نقداً”، يقول الخبير الإقتصادي باتريك مارديني. فتسديد ثمن الشقة بالليرة اللبنانية نقداً “يقرّش” على أساس سعر صرف السوق، أو يضاف اليه نسبة محددة في حال كان شيكاً مصرفياً بالدولار. وفي جميع الحالات فان عمليات الشراء والبيع على مضض ستتراجع في يوم من الأيام وتدفع باتجاه جمود الطلب وتوقف عمليات البناء، مقابل استمرار زيادة العرض”، يتابع مارديني. يضاف الى ذلك بحسب القراب ان “عمليات المقايضة الخاطئة التي حدثت مؤخراً والتي ترجمت بشراء الكثير من الوحدات السكنية التي لا حاجة فعلية للمشترين بها، ستزيد في المستقبل القريب من مخزون الشقق الفارغة، التي سيصعب تسييلها. فتضاعف أسعار مواد البناء المستوردة وبقاء أسعار الأرض مرتفعة سيجعل من بيع الشقق خسارة فادحة”.
فقاعة عقارية
توقف عمليات الشراء “غير الطبيعية” في المستقبل القريب الناتجة عن تهريب الودائع، وإحجام المطورين غير المدينين عن البيع “بلولار” المصارف، وعجز الأغلبية عن الشراء بسبب تدهور الظروف المعيشية وفقدان القروض المصرفية، وبقاء الأسعار مرتفعة بالمقارنة مع المستوى المعيشي، سيعني حكماً جمود سوق العقارات المتخم بالعرض وتوقف عمليات البيع نهائياً. وهو ما يرى فيه الخبراء فقاعة جديدة تهدد بانفجار 20 في المئة من الناتج المحلي وتلحق الأذى بأكثر من من 70 مهنة ومصلحة.
الحل متوفّر
بالإضافة الى ضرورة توجيه المشترين نحو ما يلبي مصلحتهم الفعلية وليس استجابة لذعرهم، ترى القراب ان “تغير مفهوم التطوير العقاري في المستقبل وابتعاده عن انشاء الوحدات السكنية والمباني حصراً، سيشكل خشبة خلاص للقطاع”. فالنشاط الإقتصادي والتطوير العقاري لن يتوقفا.”والمدخل الجديد سيكون من بوابة القطاعات التي ستنمو وتزدهر مثل الصناعة والزراعة؛ فهذان القطاعان سيحتاجان حكماً إلى عمليات بناء وتطوير وتأهيل، كونهما سيشكلان في المستقبل حاجة فعلية لجذب العملة الصعبة وتأمين الامن الغذائي والصحي وسيحصلان على الدعم”، برأي القراب. فبناء المدن الصناعية والمصانع والمشافي والمراكز التي تتماشى مع مفهوم التباعد الإجتماعي ستتطلب مطورين عقاريين، وهو ما سيشكل فرصة جديدة ستساعد على استمرار القطاع العقاري”.