يتخذ إقفال القطاعات الاقتصادية مساراً أكثر سوءاً. إذ لم يعد يقتصر على المحال التجارية أو أسواقٍ «بأمّها وأبيها»، وإنما طال المكاتب العلمية لشركات الدواء العالمية التي آثرت الانتقال إلى بلدان عربية أخرى (مصر، السعودية…)، مدفوعة بالتأثيرات السلبية التي خلّفتها الأزمة الاقتصادية ــــ المالية ولا تزال.
آخر المنسحبين من السوق، كانت شركة Leo Pharma بعد sanofi وbayer علماً بأن الإغلاقات لم تثبت حتى الآن عند حصيلة نهائية. في السردية الدائمة للأسباب التي دفعت هؤلاء، كما مؤسسات أخرى، إلى اتخاذ هذا القرار، تأتي الأزمة المالية. إذ انعكست على أسعار الأدوية، فباتت أقل بكثير مما هي عليه في أسواق أخرى.
غير أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد. فالتبعات التي تسبب بها القرار كانت أقسى من الإقفال نفسه. إذ نتج من الأزمة عدد كبير من العاطلين عن العمل، وخصوصاً المندوبين (الصيادلة). لم يجد هؤلاء أنفسهم بلا عمل بين ليلة وضحاها، وإنما مرّوا في الفترة التي سبقت الصرف بظروف عملٍ غير مستقرة، إذ عمدت بعض المكاتب وبعض مستودعات الأدوية المحلية إلى اتخاذ إجراءات للتخفيف من وطأة الأزمة، بخفض رواتبهم في الشركات المحلية أو صرفها على أساس سعر الصرف الرسمي لمن يتقاضون رواتبهم بالدولار. فيما عمد بعض آخر إلى اختزال دوامات العمل للمندوبين، «فكنا نعمل اليوم كاملاً ويحتسبون أتعابنا على أساس نصف يوم»، على ما يقول أحد المصروفين حديثاً. وفي مكاتب أخرى، طالت التخفيضات ما كان يناله المندوبون من «إضافات» مثل «بونات البنزين، إذ عمدوا إلى تخفيض الكمية الشهرية المعطاة لكل مندوب». ولجأت شركات أخرى إلى إعطاء إجازات لموظفيها من دون دفع رواتب لهم، إلى حين تحسّن الأوضاع!
وفي الآونة الأخيرة، استحال الصرف جماعياً. وفي آخر تلك السير، كان المكتب العلمي لشركة «ليو فارما» التي صرفت جميع مندوبيها تعسفياً. أما الأسوأ من ذلك الصرف، فهو دفع بدلات صرفهم بـ«شيك مصرفي»، وكذلك الحال بالنسبة إلى التعويضات. وفي مكاتب أخرى، يجري الأمر نفسه: صرف جماعي، فيما «لا أحد يسأل عما يجري معنا»، في إشارة إلى «لجنة المندوبين في نقابة الصيادلة في لبنان، والنقابة نفسها»، على ما يقول أحد المصروفين. وهو ما يرفضه الأمين، معتبراً أن وضع المندوبين العاملين في مكاتب العلمية «معقّد» لناحية أن لا سلطة لنقابة الصيادلة على تلك المكاتب، مشيراً إلى أنه «ليس باليد ما يمكن فعله، إذ إن الأمر مرتبط بالوضع الاقتصادي بشكل عام».
لا رقم نهائياً اليوم للمصروفين، والمتوقع أن يكبر أكثر مع استمرار الأوضاع الاقتصادية المالية ومع الخيارات المتطرفة التي تتخذها المكاتب. ولا يبدو أن الأمور تتجه نحو الحلحلة، وخصوصاً في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، والأسوأ من ذلك أن هؤلاء لا يجدون فرص عملٍ في لبنان، وبدأ الكثيرون منهم يحضّرون أوراقاً للهجرة.