شهور من الإغلاق التام عاشها العالم في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة لا سيما الاقتصاد العالمي. ولم تكن الشركات الناشئة بمنأى عن تلك التغيرات.
أكد تقرير الاستثمار العالمي 2020 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تصارع من أجل البقاء اقتصادياً.
وقال التقرير: “في العديد من الاقتصادات، تكافح الشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل البقاء الاقتصادي وتخاطر بفقدان روابطها الخلفية مع المستثمرين الأجانب حيث يتأخر هؤلاء عن شراء قطع الغيار والمكونات والمواد والخدمات من الموردين المحليين أو بسبب تعطل سلاسل القيمة الدولية لأسباب أخرى”.
مع نهاية الربع الأول من العام الجاري، بدأت المزيد من الدول في تشديد إجراءات الوقاية من فيروس كورونا وتطبيق الإغلاق التام.
وقالت مي مدحت مؤسسة شركة “إيفينتس” لتكنولوجيا الفعاليات، في تصريحات لـCNN بالعربية: “تم تأجيل أو إلغاء جميع الفعاليات، لم يكن هناك أي فعالية لدينا على مدار شهرين”.
وتقدم “إيفينتس” حلولا تكنولوجية مبتكرة تساعد الشركات على تنظيم الفعاليات والمؤتمرات والمعارض بشكل أكثر فعالية من خلال تطبيق على الهاتف وأدوات رقمية لتسجيل المشاركة وغيرها من الخدمات.
وأضافت مي مدحت: “كل شيء تغير بعد كورونا”، وتابعت بالقول: “وجدنا أنفسنا في صراع مع الزمن للتفكير في المرحلة المقبلة بعد تجاوز فترة من الصدمة بسبب إلغاء جميع الفعاليات، وتوصلنا لفكرة تنفيذ الفعاليات الافتراضية”.
وأكد العديد من رواد الأعمال أن التكنولوجيا أصبحت محوراً لجميع نماذج الأعمال، ليس فقط في الشركات الناشئة بل أيضا في الشركات الكبيرة.
وقال شهزاد بهاتي، مؤسس ومالك “كو دبي”، وهي حاضنة أعمال توفر مساحة عمل مشتركة في دبي، في تصريحات لـCNN بالعربية: “أدركت العديد من الشركات الناشئة أن تقنيتها لم تكن على القدر المطلوب وتستثمر الآن أكثر في بناء المنتجات التي تقدم تجربة أفضل للمستخدمين”.
وبدأت العديد من المؤسسات حول العالم تنظيم فعالياتها عبر الإنترنت، من ضمنها قمة “رايز آب” السنوية التي جمعت رواد الأعمال والمستثمرين وقدمت العديد من ورش العمل في مجالات مختلفة، تحت شعار “#رايز_أب_من_البيت”، في الفترة من 13 إلى 15 أغسطس/ آب. وضم الحدث السنوي الذي كان ينظم في القاهرة سنوياً منذ عام 2013 الآلاف من المشاركين من دول مختلفة حول العالم.
لم يتأثر نجاح القمة بعقدها افتراضياً. وقالت مي مدحت التي ساهمت شركتها في تنظيم الفعالية إن “القمة تضمنت الآلاف من المشاركين، وأكثر من 100 متحدث، وتم تنفيذ كل شيء مثل ما كان يحدث على الأرض، ولكن بشكل أكثر فعالية وأقل تكلفة حيث تمكن الجميع من المشاركة دون الحاجة للسفر من دولة إلى أخرى”.
وبالاتجاه إلى شرق آسيا، كانت الصين من أولى الدول التي تدخل في عزلة. وكان لذلك أثر مباشر على العديد من الشركات الناشئة حول العالم، حيث إنها واحدة من أكبر الدول المصدرة.
بعد اتمام دراسته للطب في إحدى الجامعات الصينية، قرر جايديب تشاتا الانتقال إلى دولة الإمارات متتبعاً شغفه تجاه ريادة الأعمال ليبدأ مشروع “إنوفيتر” لعرض الإعلانات داخل المصاعد، مستلهما الفكرة من أحد المباني التي زارها في الصين أثناء فترة دراسته.
وتعاقد جايديب مع إحدى الشركات الصينية، التي طورت جهاز كشاف ضوئي لعرض الإعلانات، ليعرض الفكرة على المعلنين في الإمارات، مستغلا وجود مباني شاهقة تتيح مساحة للإعلان داخل مصاعدها. ولكن مع توقف حركة الطيران وانتشار الفيروس، أوقف مشروعه مؤقتاً.
وقال جايديب، في تصريحات لـCNN بالعربية: “انخفضت النفقات على الإعلانات بشكل كبير، فهي أول ما يفكر أصحاب الأعمال في إيقافه عندما يحدث شيء مثل هذه الجائحة”.
وأضاف: “عندما زاد الخطر، سحبت جميع الأموال التي وضعتها شخصياً في المشروع وبدأت أعيد التفكير في كيفية تنفيذه بشكل أفضل. وتوصلت بعد البحث المتواصل طوال فترة الإغلاق التام إلى تقنية جديدة من المتوقع أن تزيد قيمة الجهاز بعشرة أضعاف قيمته الحالية”.
ولتجنب المزيد من التكاليف، قرر جايديب التعاون مع الشركة التي تمتلك تلك التقنية بحيث يستطيع تطوير الجهاز، وتصبح الشركة أحد المستثمرين في المشروع.
وتسببت إجراءات الإغلاق التام في فقدان الملايين حول العالم لوظائفهم مع انحسار فرص التوظيف الجديدة في مجالات رئيسية مثل الطيران والسياحة والبيع بالتجزئة والتشييد، بينما شهدت قطاعات أخرى ازدهاراً ملحوظاً مثل خدمات النظافة وتوصيل الطلبات.
في محاولة لتضييق الفجوة بين احتياجات سوق العمل ومهارات الباحثين عن وظيفة، أطلقت سباندانا بالايبو مشروع “زو إيزي” لتدريب وتوظيف العمال المهاجرين.
وقالت سباندانا في تصريحات لـCNN بالعربية: “لاحظنا بعد انتشار فيروس كورونا توقف التعيين بدوام كامل وهو ما دفعنا للاتجاه إلى التعهيد”.
وأضافت “ساعدنا فيروس كورونا على تطوير تقنيتنا بشكل أفضل، فلم نستطع إجراء مقابلات مع المتقدمين للوظائف وأصبح كل شيء رقمياً. فكانت الجائحة مقدمة للعمل عن بعد والتوظيف عن بعد أيضاً وهذا هو الحل الذي أردنا تبنيه على أيه حال”.
يمر المتقدمون لوظيفة من خارج الدولة على العديد من الوسطاء ليأخذوا منهم أموالا طائلة، وتتطلب تلك التجربة الكثير من الأوراق والمقابلات، على حد قول سباندانا.
وتستعد الشركة حالياً لإطلاق تطبيق على الهاتف لإجراء عملية التوظيف من خلاله، كما تتعاون مع مراكز للتدريب عن بعد لتطوير مهارات المتقدمين لوظيفة، دون مقابل مادي منهم.
وأوضحت سباندانا: “في أوقات الأزمات تظهر الحاجة إلى الابتكار، وقد أدركنا أن التكنولوجيا ستساعدنا في توسيع نطاق التأثير الذي نريده”، مشيرة إلى أن “الدرس الحقيقي بالنسبة لنا كان التكيف مع الموقف بشكل سريع، وأعتقد إذا لم يستطع أي مشروع القيام بذلك ستكون فرص بقائه ضئيلة جدا”.