التهافت لشراء بيوت المسيحييّن المنكوبين يتواصل العروض خيالية وبالدولار

امام هول إنفجار مرفأ بيروت، وما أحدثه من سقوط ضحايا وجرحى ومفقودين ومشرّدين، جراء تدمير بيوتهم وأحياء بكاملها في العاصمة بيروت، مع كل ما نتج عن ذلك من ويلات وإحباط وخوف من الغد، لم تعد تنفع الكلمات الرنانة والشعارات الفارغة، التي تشبّه لبنان بطائر الفينيق وبسويسرا الشرق، كما انّ تكرار اغنية «راجع يتعمّر لبنان» على مدى عقود من الزمن، وإعادة إعماره عشرات المرات جراء الحروب والتفجيرات والى ما هنالك، جعل اللبنانييّن مُحبطين ولم تعد تنفهم كل تلك الاكاذيب، التي يرميها السياسيون لبث المعنويات في نفوس الشعب المغلوب على أمره.

وسط كل هذا الدمار المعنوي والمادي، يسأل المواطن اللبناني المنكوب عن دولته وزعمائه ومسؤوليه الغائبين عن معاناته، خصوصاً بعد وصول كبار المسؤولين الدوليين لتفقد هذه الكارثة، فيما يغيب المسؤولون عندنا عن تفقد أي شارع مدمّر في الانفجار، خوفاً من لعنات المواطنين المنكوبين، الذين لم يعد بإستطاعتهم تحمّل ما يجري من غياب فاضح ومعيب للدولة، امام هول هذا الدمار والخراب، اذ لم يقدّم أي مسؤول مساعدات مادية لإعادة إعمار ما تهدّم ولو بنسبة قليلة، على الرغم من ثروات معظمهم، فيما نراهم يتسابقون على المساعدات وزيارات الناخبين، قبل ايام قليلة من الانتخابات النيابية.

الى ذلك وانطلاقاً من هذه المشاهد المعيبة، التي ترافق المناطق المدمّرة واهاليها، إستغل السماسرة المنتشرون كخفافيش الليل في الاحياء المنكوبة، كمار مخايل والجميزة والاشرفية والكرنتينا، عارضين خدماتهم الخبيثة لشراء المنازل المنكوبة، وبالعملة الخضراء وبأسعار خيالية والدفع فوري وكاش، كل هذا في ظل غياب أي إلتفاتة من الدولة بهؤلاء، من ناحية مساعدتهم في إعادة إعمار بيوتهم، في ظل كل هذا الغلاء الفاحش لمواد البناء وتوابعه، ما دفع بمصدر نيابي للسؤال «هل هنالك مخطط لتغييّر ديموغرافي من خلال إبعاد المسيحيين عن هذه المناطق؟، وجعلها لطوائف اخرى على غرار ما جرى في مناطق مسيحية قبل سنوات؟، حيث تم شراء اغلبية المحال التجارية من قبل مستثمر بارز، نقل بفعلته هذه عدداً من المناطق المسيحية في العاصمة نحو محور طائفي آخر، وكل هذا على حساب أوجاع الناس والآمهم، فمنهم من فقد شهيداً وبات ابنه معاقاً، ودُمّر منزله وعاد الى نقطة الصفر بعد ان ضاع جنى العمر، واصبح مشرّداً يبحث عمَن يأويه، خصوصاً اننا نقترب من فصل الشتاء وبدء هطول الامطار، وكل هذا يستغله السماسرة فيسارعون الى إقناع من فقد منزله واصبح معدماً، فيقنعونه بالبيع وسط إقفال ابواب المساعدات، التي تقتصر فقط على مَن يزور المنازل، ويُجري الاحصاءات حول الخراب، من دون أي نتيجة فعلية على الارض وتقديم الماديات.

في غضون ذلك يروي بعض الاهالي لـ «الديار» خصوصاً مَن يقطن منطقتي الجميزة ومار مخايل، بأن السماسرة وغيرهم يصرّون على الاهالي يومياً لبيع منازلهم التراثية، كما يزورون اهالي منطقة الكرنتينا الفقيرة بمعظمها، عارضين عليهم الشراء بطرق الاغراء المادي، فيما لا يلمسون سوى دعوات وشعارات من مخاتير المنطقة والجهات السياسية، بعدم بيع منازلهم بغياب مدّ يد العون لهم ، سائلين عن المرجعيات الدينية التي تتغنى بالارض والارزاق، وبعدم بيع الاراضي من دون أي إلتفاتة بأبناء رعيتها، فيما مالها لا يُعّد ولا يُحصى ولا تأكله النيران، كاشفين بأنهم اوصلوا رسائل الى مرحعيات دينية رفيعة المستوى، لمساعدتهم في إعادة إعمار بيوتهم، وإلا سيكونون مرغمين ومضطرين للبيع والهجرة نهائياً من البلد، لكن لغاية اليوم لم يتلقوا سوى اجوبة معنوية في وسائل الاعلام، يتبجّح فيها هؤلاء مع بعض المسؤولين السياسييّن، سائلين ايضاً عن مرجعياتهم السياسية التي انتخبوها، ولم يروا اياً منها خلال هذه الكارثة التي ألمّت بهم، لافتين الى انّ الشعارات والبطولات اليومية، بالمحافظة على ارض الاجداد لم تعد تنفع، لان المطلوب اولاً واخيراً تنفيذ كل الوعود التي سمعناها عبر وسائل الاعلام، ولم يتحقق منها شيء لغاية اليوم.

ورداً على سؤال حول إعلان وزير الثقافة في الحكومة المستقيلة عباس مرتضى، عن منع اجراء أي معاملة بيع تتعلق بالعقارات المتضررة، ومنع تسجيلها في الدوائر العقارية الا بعد الانتهاء من الترميم، وبعد موافقة وزارة الثقافة، اشار الاهالي الى انهم سمعوا تطمينات شفهية بأنه سيُعاد إعمار مناطقهم، وذلك منذ اسبوعين ولغاية اليوم، لكن اين هي هذه التطمينات والوعود التي إقتصرت فقط على مساعدات غذائية خارجية، قدمتها بعض الدول مشكورة فيما دولتنا تتناسى واجباتها؟، مشدّدين على ضرورة تحرّك الدولة فعلياً وعلى جميع الاصعدة، لان كل يوم تأخير سيؤدي شيئاً فشيئاً الى خسارة الوجود المسيحي في هذه المناطق، فالمبالغ التي تعرض على المالكين المسيحييّن كبيرة جداً ومضاعفة، وتأتي في فترة العوز والفقر وتختار المحتاج الى المال، مبدين إستياءهم الشديد من دعوات نواب المنطقة وغيرهم «الشاطرين بالحكي بس» من عبارات «التشبّث بالأرض لأنها جزء من إيماننا الديني والوطني، والى ضرورة رفع الصوت بوجه مافيا الشراء والسماسرة»، لانها لم تعد تنفع بعد خراب حياتنا بسبب كل المسؤولين من دون إستثناء.

 

مصدرصونيا رزق - الديار
المادة السابقة70 بالمئة من المستشفيات امتلأت بالكامل…
المقالة القادمةوزارة الداخلية: الإقفال التام اعتبارا من 21 آب إلى 7 أيلول