تشهد مكانة الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية تراجعا تدريجيا في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية واحتدام الحرب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة والصين.
ودفعت هذه الصراعات عددا متزايدا من الدول إلى تنويع احتياطاتها وتقليص الاعتماد على الدولار، ما يضعف من هيمنته التقليدية على النظام المالي العالمي ويثير تساؤلات حول مستقبله في ظل المتغيرات الاقتصادية الدولية.
وخلصت دراسة اقتصادية جديدة إلى أن الرسوم الجمركية الضخمة التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في “يوم التحرير” في أبريل قد عرّضت دور الدولار كعملة أساسية عالمية للخطر.
ولكن معدي الدراسة أشاروا إلى أن تراجع الإدارة الأميركية في نهاية المطاف إلى أسعار فائدة أكثر اعتدالا قد جعله على الأرجح آمنا.
وتوصل البحث إلى أن “الامتياز الباهظ” الذي تتمتع به الولايات المتحدة، مع دور الدولار كأصل خالٍ من المخاطر، يجذب الاستثمارات إلى الولايات المتحدة.
كما يسمح لأكبر اقتصاد في العالم بالاقتراض بأسعار فائدة منخفضة، حيث يرتبط ارتباطا وثيقا بالتجارة المفتوحة التي تربط مصير الاقتصادات الأخرى بما يحدث في الولايات المتحدة.
ووفقا لمسح تركيب العملات في الاحتياطيات الرسمية (كوفير) التابع لصندوق النقد الدولي، بلغ إجمالي الاحتياطيات الرسمية للعملات الأجنبية في الربع الأول من 2025 نحو 12.54 تريليون دولار أميركي.
وفي الفترة ذاتها، استحوذ الدولار الأميركي على نسبة حوالي 57.74 في المئة من تلك الاحتياطيات المخصصة، أي العملات التي تم تحديدها من قبل الدول.
وبالمقابل، بلغت حصة اليورو نحو 20.06 في المئة من الاحتياطيات المخصصة، في حين انخفضت حصة اليوان الصيني إلى 2.12 في المئة تقريبا.
وبالمقارنة مع نهاية 2024، كانت حصة الدولار حينها تبلغ حوالي 57.79 في المئة من الاحتياطيات النقدية المخصصة، ما يبيّن استقرارا نسبيا مع تراجع طفيف في الحصة خلال بداية 2025.
وستُضعف الحمائية هذه الصلة والفوائد المترتبة عليها، حيث يُقدر معدل التعريفة الجمركية بنسبة 26 في المئة كنقطة تحول ستسمح للعملات المنافسة مثل اليورو بأن تصبح أكثر مركزية في الاقتصاد العالمي.
وهذا ما خلص إليه مؤلفو الدراسة التي نشرت الخميس، ومن بينهم أستاذ الاقتصاد بجامعة بوسطن طارق حسن، ونائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو توماس ميرتنز، وجينغي وانغ من جامعة رينمين الصينية.
وبقي متوسط المعدلات التي فرضها ترامب، والمقدر حاليا بحوالي 17 إلى 18 في المئة، ضمن نطاق أكد المؤلفون أنه قد يُضعف دور الدولار، ولكنه لن يُقوّضه تماما.
وكتب المؤلفون “يبرز الدولار كأكثر العملات أمانا في العالم لأن الصدمات التي تؤثر على الولايات المتحدة تُحرك جزءا كبيرا من الطلب العالمي”، مما يُعزز الطلب على الدولار كأداة تحوط ضد تقلبات العملة وغيرها من المخاطر.
وذكروا أيضا “تُعدّ هذه السمة المميزة للدولار الأميركي كملاذ آمن القوة الرئيسية التي تُخفض أسعار الفائدة الأميركية، وتجعله وجهةً للاستثمار العالمي، وهدفا لاستقرار أسعار الصرف”. وأضافوا أن “استمرار الحرب التجارية من شأنه أن يهدد هذا التوازن”.
57.74 في المئة نسبة حصة الدولار بالربع الأول من عام 2025 نزولا من 57.79 في المئة قبل عام
ويأتي البحث، الذي نُشر كجزء من مؤتمر اقتصادي لمؤسسة بروكينغز هذا الأسبوع، في ظل تزايد الاهتمام بدور الدولار الأميركي في العالم وكيف يُمكن أن يتغير في عهد ترامب.
وسيُناقش مؤتمرٌ لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في نيويورك هذا الأسبوع هذه القضية، بينما يُحاول المستثمرون تحليل البيانات المتضاربة بحثا عن أدلة على أي تغيير.
وقد يكون الانخفاض الأخير في قيمة الدولار بمثابة إنذار، إلا أنه في الوقت نفسه، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية، وبلغت الأسهم مستويات قياسية، وهي علامة على استمرار الطلب على الأوراق المالية المقومة بالدولار.
ويقول الخبراء إن ذلك ربما يُبدّد إلى حد ما المخاوف من أن الولايات المتحدة كانت مُعرّضة لخطر فقدان مكانتها العالمية.
لكن مؤلفي الدراسة حذروا من أنه لا يُمكن اعتبار ذلك أمرا مفروغا منه، مشيرين إلى الربيع الماضي عندما هبطت الأسواق بالتزامن.
وفي إشارة إلى ردود الفعل السلبية على خطط ترامب الأصلية للرسوم في أبريل، قالوا إن “خسارة الأسهم الأميركية، وسندات الخزانة، والدولار لقيمتها بينما شهدت الأسواق العالمية اضطرابات تمثّل انحرافا صارخا عن النمط المعتاد الذي يرتفع فيه الدولار في أوقات التوتر العالمي”.
وأضافوا “تعتمد مكانة الدولار كملاذ آمن بشكل أساسي على التجارة الحرة نسبيا، فعزل الاقتصاد الأميركي عن تدفقات التجارة العالمية يُخفّف من وطأة العوامل التي تجعل الدولار العملة الأكثر أمانا في العالم”.



