نظمت نقابة المهندسين في بيروت – الدائرة العلمية مؤتمر “الذكاء الاصطناعي الثورة الرقمية وتأثيرهما في الاقتصاد” على مدى يومين في نقابة المهندسين في بيروت، برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ممثلا بعضو المكتب السياسي في تيار “المستقبل” المهندس رفعت سعد، وحضور الوزير السابق ناصر السعيدي ورئيس اتحاد المهندسين اللبنانيين النقيب المعمار جاد تابت وممثلين عن قادة الأجهزة الأمنية وأعضاء من مجلس النقابة في بيروت وحشد غفير من المهندسين والطلاب والمهتمين.
سكاف
وتحدث الشريك التنفيذي والمدير العام لشركة Strategic Decisions Group المتخصصة في الاستشارات الاستراتيجية والاقتصادية والعضو في اللجنة العلمية في نقابة المهندسين في بيروت الدكتور مازن السكاف عن “التطورات المتسارعة في حقل الذكاء الاصطناعي والتطبيقات والحلول المعتمدة حديثا في قطاعات اقتصادية مختلفة ومدى تأثيرها في زيادة الانتاجية في هذه القطاعات، وتكوين القيمة المضافة للمساهمين والعملاء وتحسين الأداء والجودة”.
وتناول التطورات في حقول الهندسة، الصناعة، الطب والصحة، التجزئة، الاتصالات والأمن والسيبراني، وقدر “القيمة المضافة المتوقعة لسوق الشرق الأوسط من اعتماد الذكاء الاصطناعي على مدى العشر سنوات المقبلة بحوالى 320 مليار دولار. كما عرض نبذة عن “الأبحاث المتطورة الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي وكيف أن تقنيات التعلم العميق (Deep Learning) أدت الى تقدم الآلات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي على أداء البشر في مجالات محددة مثل التطبيقات الآلية للتعرف الى الكلام (Speech Recognition)، أو تحليل الكم العالي من الصور الرقمية (Image Recognition) وغيرها”.
وشرح “كيف ان هذه التقنيات تزداد فعاليتها كلما زاد كم المعلومات المتوفرة لها. وتحدث عن تأثير التقنيات المعتمدة في خلق وظائف وفرص عمل جديدة والغاء وظائف وفرص عمل أخرى في المدى القصير والمتوسط. أما على المدى البعيد فإن التطور في مجال الذكاء الاصطناعي المتجه نحو المعنى الواسع للذكاء الاصطناعي (Artificial General Intelligence)، والذي بتقدير الخبراء قد يستغرق سنوات عدة للتوصل الى تحقيقه، فسوف يحدث تغييرات جذرية في الاقتصاد وسوق العمل. ويجدر للدول والحكومات التحسب والتحضير للسيناريوهات المختلفة المتوقعة”.
الطويل
وعرف رئيس اللجنة العلمية عضو مجلس النقابة المهندس وسام الطويل “الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها متل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة”.
وقال: “تعد تقنيات التعلم العميق Deep Learning أبرز مظاهره وهي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري أي انها قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيا دون تدخل الإنسان”.
وأشار الى “إن الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية سوف يكون لهما الاثر العميق في الاقتصاد وفي اندثار العديد من المهن الحالية وخلق أخرى وفي التأثير على المجتمع وعلى طريقة عيشه وتفكيره حتى على فلسفة الحياة بحد ذاتها”.
وأوضح انه “بالعودة إلى لبنان، ربما يسأل البعض لماذا العمل على الذكاء الاصطناعي قبل معالجة الغباء الطبيعي المنتشر في بلادنا؟ لماذا التفكير في المستقبل ونحن غارقون في مشاكل بنيوية لا تعد ولا تحصى؟ لماذا؟ لأن المستقبل هو الان، وما يحصل في العالم من تطور في علم التكنولوجيا سوف يكون له الأثر الشديد علينا، فلا يمكننا الهرب أو الاختباء. فإما أن نتفرج على ما يحصل حولنا، أو ننخرط في هذه الثورة التي أصبحت واقعا لا مفر منه”.
وأثنى على “خطوة في الاتجاه الصحيح، عين لأول مرة وزير لتكنولوجيا المعلومات في الحكومة اللبنانية الجديدة، علها تليها خطوات أكثر جرأة كإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي كما في حكومة دبي مثلا”. واعتبر انه “إذا وجدت الإرادة السياسية للنهوض بالاقتصاد اللبناني، فإن تطبيق تكنولوجيا المعلومات والمكننة والذكاء الاصطناعي سوف يساهم بشكل كبير في خفض العجز في الموازنة وتنمية الاقتصاد وذلك عبر: تخفيض عدد موظفي القطاع العام بشكل جذري، زيادة إنتاجية وكفاءة الإدارة في القطاع العام، الاستثمار في القدرات اللبنانية الشابة وتحفيزها وخلق البيئة الحاضنة لها وخلق فرص عمل جديدة عالية الإنتاج”.
وتمنى “أن يكون هذا المؤتمر النافذة التي تفتح النقاش البناء، بين المحاضرين وبين أصحاب الاختصاص في القطاع العام والخاص لخير وتقدم بلدنا، والى اللقاء في 26 و27 آذار في مؤتمرنا الرابع والاخير بعنوان “تحديات التعليم الهندسي العالي في ضوء الثورة الصناعية الرابعة. ومن الآن الى ذلك الحين أترككم للتفكير بما قاله كاتب Sapiens يوفال هراري: عندما تصبح معرفتهم بنا أكثر من معرفتنا لأنفسنا سوف يقضي Google وFacebook على الديموقراطية والسوق الحرة، حيث ستنتقل السلطة من الإنسان إلى شبكة الذكاء الاصطناعي”.
تابت
وألقى النقيب تابت كلمة أوضح فيها ان “المؤتمر يأتي ضمن سلسلة مؤتمرات مترابطة تنظمها اللجنة العلمية هذه السنة تتناول مستقبل الهندسة والعمارة في ظل التحولات الكبرى التي تحدثها الثورة الصناعية الرابعة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العالم وتأثير هذه التحولات على الطبيعة وعلى حياة الانسان. كما تعالج هذه المؤتمرات التأثيرات التي يحدثها التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع على مختلف المستويات الفكرية والإدارية، بالاضافة إلى التنظيم المدني وإدارة البيئة والمناهج التعليمية وغيرها. وإذ تناولت الحلقتان السابقتان مفهوم الثورة الصناعية الرابعة وموضع المدن الذكية، تأتي هذه الحلقة لتعالج إشكالية الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية وتأثيرهما على الاقتصاد”.
ورأى ان “الذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القرارات الذهنية البشرية وأنماط عملها. والعميل الذكي هو نظام يستوعب بيئته ليفسر البيانات الخارجية بشكل صحيح والتعلم من هذه البيانات واستخدام تلك المعرفة لتحقيق اهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن”.
وأوضح ان المحاضرين سيعرضون “خلال هذين اليومين التحولات التكنولوجية التي تدخلها الثورة الرقمية وتأثيرها على الاقتصاد وعلى علم الهندسة مع التركيز على ظروف لبنان والعالم العربي والمنطقة المحيطة”، وقال: “ورغم شوقي الكبير للتعرف إلى عالم الثورة الرقمية هذا، أنا اعترف أنني لا امتلك الأدوات المعرفية الكافية التي تسمح لي بالمساهمة في هذا النقاش”.
وتطرق إلى موضوع الابعاد الفلسفية والأخلاقية لما يسمى بالذكاء الاصطناعي، مستذكرا “روايات الخيال العلمي Science Fiction التي قرأتها عندما كنت شابا مثل روايات إسحاق عزيموف حول عهد الانسان الآلي وتخيلات الدوكس هكسلي حول عالم مستقبلي تنتفي فيه القيم الإنسانية، أعود اليوم لاطرح لنفسي أسئلة عديدة حول افق هذا التطور التكنولوجي المتسارع الذي لا يترافق مع تطور حضاري يرتكز على مبادئ فكرية واخلاقية ثابتة. ولا يمكن لي إلا أن الاحظ أن التطبيقات الأكثر تطورا للذكاء الاصطناعي اليوم تمثلت بتطوير الأجهزة العسكرية وآلات الفتك الجماعي التي استعملت في العراق وسوريا واليمن وليبيا وحولتها إلى مراكز اختبار للأسلحة الجديدة. كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي في عالم المخابرات والأجهزة الأمنية للتعرف الى الوجوه والتشخيص، مما يطرح أسئلة كثيرة حول الضوابط الضرورية للحفاظ على خصوصية الفرد وعلى الحريات الديموقراطية في المجتمع”.
وأكد أنه “إذا لم يترافق هذا التقدم التكنولوجي مع تطور فكري واخلاقي مماثل، فالخوف شديد من أن تؤدي الثورة الرقمية إلى تراجع حضاري ينتج تفككا متزايدا في المجتمعات بين أقلية تمتلك الأدوات التي تسمح لها بتأمين سيطرتها الاقتصادية والسياسية والفكرية واكثرية تخضع أكثر فأكثر لعملية تهميش منظمة”.
وختم بالقول: “ومن أجل اتخاذ العبر، أريد أن أذكر بقول البرت اينشتاين تعليقا على تطوير أسلحة الدمار خلال الحرب العالمية الثانية: “It has become appallingly clear that our technology has surpassed our humanity” “. وآمل أن تغني هذه الملاحظات البسيطة نقاشاتكم خلال هذين اليومين، أتمنى لكم مؤتمرا ناجحا، ولا يسعني في الختام إلا أن أشكر راعي الحفل دولة رئيس مجلس الوزراء، كما أشكر زملائي في اللجنة العلمية رئيسا وأعضاء على الجهد الذي بذلوه لإنجاح هذه المؤتمرات”.