من الواضح انّ اللبناني، ورغم مرور حوالى سنتين على بداية الأزمة، التي بدأت عملياً قبل 17 تشرين الاول 2019، عندما ظهرت معالم ما اتفق على تسميته في حينه الشح في الدولار، لم يدرك بعد مفهوم الفقر الذي بدأت معالمه بالظهور تباعاً. هذه المعالم مُرشّحة للتبلور اكثر في الاشهر القليلة المقبلة، حين سيصبح مصرف لبنان عاجزاً عن تأمين الدعم بكل أنواعه، وسيُترك المواطن لمواجهة قدره منفرداً، وفق المعطيات والحقائق التالية:
اولاً – معدل الاجور بالدولار سينخفض من حوالى الف دولار (مليون و500 الف ليرة) كما كان قبل الأزمة، الى حوالى 75 دولارا على سعر الصرف الحالي، وقد يتراجع الى حوالى 35 أو 40 دولارا على سعر الصرف الجديد الذي سيفرض نفسه بعد بضعة أشهر. أما الحد الأدنى والذي اصبح اليوم حوالى 38 دولارا، قد يتراجع الى حوالى 20 دولارا، فقط للمحظوظين الذين لا يزالون في أشغالهم ولم يتحولوا الى عاطلين عن العمل، أي اكثر من نصف دولار بقليل في اليوم (حوالى 67 سنتاً).
ثانياً – ستكون الدولة عاجزة عن تقديم اي خدمات، وبالتالي سيصبح قطاع الاستشفاء عبر الجهات الرسمية الضامنة في خطر.
ثالثاً – سيكون مشهد المواطن مختلفاً عن الوضع الحالي. ومع مدخول وسطي لمن لا يزال يعمل يبلغ 40 أو 50 دولارا في الشهر، لا يمكن الافتراض انّ استخدام السيارات الخاصة سيحافظ على وتيرته الحالية.
رابعاً – مع تراجع معدل الاجور بالدولار الى المستويات القياسية هبوطاً، سيتم القضاء على الطبقة الوسطى بالكامل، والتي ستتحول الى طبقة فقراء.
خامساً – مستوى التعليم سيتراجع بدوره بنسَب مختلفة، ولن تتمكن كل المدارس من تأمين المعونات والدعم لضمان استمراريتها.
سادساً – مع الوقت، ومع انتشار الجوع فعلياً لدى عدد اكبر من الناس، ومع نضوب الاموال الاحتياطية لدى فئة من المواطنين، سيكون من الصعب التصديق انّ المشهد الأمني الداخلي لن يضطرب، خصوصاً انّ الأزمة تضرب المؤسسات العسكرية والامنية بقوة.
هذا المشهد الأسود يمضي إليه البلد بخطى ثابتة حتى الآن، وهو ما استدعى التحركات الدولية التي شهدناها في الفترة الأخيرة، والتي استفزّت بعض الاطراف والقوى. ما يحاول ان يفعله المجتمع الدولي حالياً، بقيادة أميركية-فرنسية، لا يتعلق بالانقاذ بقدر ما يرتبط بتخفيف عمق المأساة المقبلة، حيث بدأ البحث جدياً يتناول كيفية منع انتشار الجوع، والفوضى الاجتماعية والامنية التي قد تنتج عن هذا الوضع.