الاعتقاد بمقاربة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يعتريه عطب هيكلي، ففي الممارسة يهمل الاجتماعي، ويجري تناول بعض العناصر في الازمة الاقتصادية، حتى هذه الازمة يتم تناولها بشكل جزئي، وعلى افتراض انهما متشابهين، لكنهما مختلفين، هما يتاثران ببعضهما. عندما تحُل الازمة الاقتصادية هناك احتمال حصول ازمة اجتماعية، لكن ليس بشكل آلي وبسيط، وبالتالي المسؤولون لا يبدأون بتشخيص الازمة الاجتماعية وتمظهراتها، بقدرما يركزون على عدم وجود نمو وتصدير وعمل، في حين ان الازمة الاجتماعية لها تمظهرات مختلفة يجب تحديدها ، ومن ثم تحدد الاسباب الاقتصادية.
الخبير في التنمية الاجتماعية اديب نعمة، في حديث خاص مع موقعنا، يتناول الازمة الاجتماعية، والبطالة ومشاكل التشغيل، والعمالة الاجنبية وسوق العمل، وما يروج عن مزاحمة السوريين في لبنان للعمال اللبنانيين والفقر والمساواة.
عدة جوانب للازمة الاجتماعية
بما خص الازمة الاجتماعية: يقول نعمة:عندما نتحدث عن الازمة الاجتماعية، هناك عدة جوانب ، مثلاً هناك ظاهرة الانتحار التي ترتفع في لبنان، أليس ذلك تعبيرا عن ازمة اجتماعية؟ ظاهرة تأخر سن الزواج، التفكك الاسري والطلاق، العنف ضد المرأة، التمييز بين المرأة والرجل، مشاكل النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، اهمال ذوي الاحتياجات الخاصة، هذه مشكلات اجتماعية حقيقية اسبابها مركبة لا احد يتعاطى معها ولا احد مستعد يحطها كمشكلات كبيرة تحتاج البحث في اسبابها الاقتصادية، وهناك قسم منها يرتبط بالاقتصاد اكثر من غيره. من يتحدث بالازمة الاجتماعية لا يستطيع نسيان المساواة بين الرجال والنساء، تهميش الشباب، الهجرة، كلها لا تهمنا، نحن نتحدث عن العطب، وهذا يدل على ان مناهج التفكير عند المسؤولين مناهج جزئية وقاصرة واخطاء مرعبة.
مسألتان تتعلقان بالطالة
لنتحدث عن مسألتين اولهما لها علاقة بالبطالة ومشاكل التشغيل وسوق العمل، والمسألة الثانية لها علاقة بالفقر واللامساواة والثالثة لها علاقة بموضوع النازحين السوريين الذين لهم شأن اجتماعي واقتصادي.
نبدأ بالبطالة ومشاكل التشغيل، اول خطأ ان الناس تفترض ان المشكلة في العمل او سوق العمل، هي مشكلة بطالة، وتلقى ارقاما غير دقيقة عن البطالة بنسبة تصل الى 50 في المئة، في حين ان الدراسات التي تقوم بها ادارة الاحصاء المركزي حسب التعريف الدولي للبطالة لمنظمة العمل الدولية، البطالة تتراوح ما بين 11 و14 و15 في المئة 2013، وهي عالية بالمناسبة. وطبعا ترتفع بين الشباب الى ما فوق الـ 20 في المئة، واذا اعتمدنا تعريف اوسع واكثر مرونة للبطالة تزيد النسبة، ولكن ليس 50 و60 في المئة في لبنان، هذا رقم غير واقعي نهائيا، معناه حرب اهلية في لبنان. ولان الناس لا تميز بالثقافة الشعبية، ان كل واحد لا يعمل يعترونه عاطلا. والدولة لا تقوم بواجبها تجاه العمل، لا احد يقوم بما يلزم، فيجري اللجوء الى الاستخدام السياسي.
مشكلات سوق العمل لا تقتصر على البطالة
يستعين الخبير نعمة بالباحث نجيب عيسى، حول سوق العمل،في احد كتبه عن سوق العمل يقول الباحث نجيب عيسى ان مشكلات سوق العمل لا تقتصر فقط على البطالة، مشاكل سوق العمل هي اجزاء منها العمالة الناقصة، اي ان العامل لا يعمل ساعات عمل كافية، مشاكل سوق العمل ايضا ان الناس تقوم باعمال ليست من اختصاصها او عمل زائد ، اي ساعات اكثر من الدوام. هناك ايضا مشكلة اساسية وهي ان هذا العمل غير مهيكل وغير محمي، فلا عقود عمل، وعمل ثابت ولا تنسيب للضمان الاجتماعي هذه هي المشكلة الكبرى. العمل غير المهيكل وغي المحمي هو احدى المشكلات الكبر التي نعاني منها في سوق العمل. وبالتالي قطاعات النتاج هي قطاعات لا تطلب قوى عاملة بمواصفات عالية، لان قطاعات العمل التي تنشأ في معظمها خدماتية وهامشية.
العمالة الاجنبية
وردا على سؤال حول العمالة الاجنبية، تناول نعمة هذا الموضوع، بالاشارة الى انها قوى عاملة تعمل في شتى القطاعات والمجالات، لا نقصد السوريين فقط، حيث نستخدم عمالة اسيوية وافريقية وغيرها. هذه العمالة الموجودة غير محمية ايضا، وتعمل ايضا في مجالات كثيرة ومنها الصناعية، ولا يصرح عنهم لوزارة العمل ولا يخضعون لاي ضمانات.
من وجهة نظر اصحاب العمل هذه هي الطريقة الوحيدة للاستمرار في اعمالهم، ويقولون اذا ما لجأوا لذلك سيواجهون الافلاس، هذه هي مشكلات اصحاب العمل.
وفي ما خص الهجرة ، يجيب نعمة، بالقول: من وجهة نظرنا ونظرالعمال والنقابات وهيئات مدنية يجب معالجة هذه المشكلات؟ لا احد يقدم على معالجتها، لدينا وصفات جاهزة، اولها بطالة وهجرة، وبالمناسبة الهجرة تخفف كثيرا من البطالة والا كانت المشكلة كبيرة في الهجرة، بينما على الطالع والنازل”النق” من دون حلول للعمل، وطبعا المشاريع والسياسات هي “طق حنك” يتمثل في التدريب لطالبي العمل او دعمهم لافتتاح دكان. هذا كله لا ينفع.
هل السوريون يحتلون سوق العمل؟
السبب الثاني المنتشر هو القول ان السوريين يحتلون سوق العمل، ويتسببون بالبطالة. هذا كلام خاطىء، العمالة السورية هي من ضمن العمالة الاجنبية التي يجب تقيمها بشكل موضوعي، لمعرفة ما هي حدود تأثيرها اذا كان سلبا او ايجابا، من وجهة نظر العمال والاقتصاد الوطني واصحاب العمل، ويكفي تحريضا ومبالغات لا معنى لها، وهي مشكلة لا يتصدى لها احد بشكل تكاملي.
فوضى في قياسات الفقر!
وردا على سؤال عن الفقر واللامساواة، يجيب نعمة: كثيرة هي الدراسات التي صدرت في لبنان، من عدة مؤسسات، فقد صدرت عام 1998 ، عن البرنامج الانمائي، وهي شبه رسمية. وسجلت ان 32 في المئة من الاسر و35 في المئة من الافراد، ومن اصلهم 7 في المئة في فقر مدقع. هذه الارقام شبه رسمية وصدرت عن وزارة الشؤون الاجتماعية والبرنامج الانمائي في الامم المتحدة. منذ ذلك التاريخ كل الدراسات اعطت نسبا مماثلة، وعام 2015 انجزنا دراسة مع “يو إن دي بي” ووزارة الشؤون الاجتماعية كانت النسب متقاربة ونتيجتها كانت قريبة من 30%. مؤخرا مركز الابحاث والدراسات السياسية في لبنان انجز دراسة في 2015 فجاءت النتيجة نفس الرقم. البنك الدول انجز دراسة مع ادارة الاحصاء المركز ي في 2011 و20121 نشرها في 2014 و2015 . كذلك كانت بنسبة 28 في المئة. (هذا المتوسط الوطني).
و لمعرفة مدى الفقر في المناطق المختلفةهناك معادلة بسيطة. احسن المناطق في لبنان نسبة الفقر فيها نصف الثلاثين، اي 15 مثل بيروت وجبل لبنان %.
اذا اخذنا المناطق الفقيرة مثل بعلبك وعكار، الضنية وطرابلس … الخ. تكون النسبة 60 في المئة. اليوم لدينا حالة من الفوضى الشديدة في قياسات الفقر، واستقالة شبه كاملة من الدولة عن القيام بدورها ومسؤولياتها بقياس الفقر.لا يوجد قياسات للفقر، في الوقت الذي يمكن، وبسهولة، ان تتشكل لجنة علمية من عدد محدود من الباحثين الذين اشتغلوا على الموضوع (في لبنان لا يتعدى عددهم 15 باحثا) لبحث المسألة ويقدمون اقتراحات طريقة لقياس الفقر بطريقة صحيحة، واستنتاج سياسات تستند عليها. هذا الموضوع لم يقاربه احد.
هل هذا الموضوع دقيق ام لا؟ يجيب نعمة نسبة الفقر يساوي نسبة اللتلامذة في التعليم الاساسي الرسمي، هناك ثلث تلامذة لبنان في المدارس الرسمية، هل هناك غير الفقير يلجأ الى المدرسة الرسمبة؟
معنى ذلك ان 35 في المئة من السكان موجودون فقراء. يضاف الى هذه النسبة من هم في المدارس المجانية نسبة 8 ـ 9 في المئة. وهناك الذين يبيعون اراضيهم، والذين يستدينون، لتعليم اودهم في مدرسة خاصة.
يعني بكل ضمير مرتاح يمكن القول ان ثلث الشعب اللبناني فقير. كما يمكن اضافة ثلث ثان من شبه الفقراء ، وهذا يأخذنا الى فكرة اللامساواة الموجودة لاننا اليوم بكل البيانات الموجودة حول توزيع الثروة والدخل الوطني في لبنان يتبين ان اكثر من ثلثي السكان محدودو الدخل، وان واحدا في المئة من الناس يملكون الثروات.
اذن اللامساواة بين المناطق شديدة، وبين الفئات الاجتماعية شديدة، مثلا، كبار السن هم الفئة الاشد فقرا، ومثلهم ذوو الاحتياجات الخاصة، هناك تركز الثروة، والعاملون في الزراعة وقطاع البناء والموسميون وغيرهم.؟
السوريون لم يرفع وجودهم نسبة الفقر، بل ان وجودهم خففها قليلا، لان النازح اشتغل واستأجر في القرى وغيرها من عائلات فقيرة، ولم يلجأ الى الابنية الفخمة. مشكلة السوريين النازجين هي مشكلة اجتماعي كبيرة، لاسياسة رسمية لمعالجتها ، هناك حملة تحريض.