منذ أن بدأ الحديث عن الموسم السياحي والحجوزات الضخمة للبنانيين العاملين والمغتربين إلى بيروت لتمضية إجازة الصيف، كَثُر الحديث في الشارع عن دولارات المغتربين والسيّاح، خصوصاً بعدما حدّدتها بعض الأوساط الإقتصادية بمليارات ثلاثة وفق أدنى تقدير، وهو ما يوازي قيمة الدعم الذي يطمح لبنان للحصول عليه من صندوق النقد الدولي. فما هو مصير هذه الدولارات التي بدأت تتدفّق في الأسابيع الماضية؟
عن هذا السؤال يجيب الكاتب والخبير الإقتصادي أنطوان فرح، أن هذه الدولارات ستؤدي، وبشكل مباشر، إلى تحقيق توازن بين العرض والطلب على الدولار، ما سيؤمّن استقراراً في سعر الصرف، ولكن ليس لفترة طويلة، بل خلال الشهرين المقبلين. لكنه يؤكد لـ “ليبانون ديبايت”، أنه بعد نهاية الصيف وحلول موعد الإستحقاق الرئاسي، فإن أي غموض في الوضع الرئاسي وبقاء الوضع متّجهاً نحو المجهول، سيُترجم كل ذلك في الثقة بسعر الصرف، الذي سيشهد مجدّداً ارتفاعاً كبيراً في سعر صرف الدولار.
ويكشف فرح، عن أن الخوف الحقيقي سيبدأ في تشرين المقبل، لان الدولارات التي دخلت السوق خلال موسم الصيف، لن تتم الإستفادة منها بشكل إيجابي، بسبب عدم وجود قطاع مصرفي قادر على توظيف هذه الدولارات وإعادة ضخّها في الإقتصاد، لذلك، فإن القسم الأكبر من مليارات المغتربين لن تُتَرجم في الدورة الإقتصادية وزيادة الإستثمارات، والقسم الأكبر منها سيبقى في لبنان، وبالتالي، قد يستفيد الإقتصاد من مليارات المغتربين إلى حدٍّ ما ويستفيد المواطنون بنسب متفاوتة، لكن مع الأسف، لن تحقّق الجدوى الإقتصادية منها، وهو ما يحفّز بالإسراع لتنفيذ خطة الإنقاذ لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي من أجل الإفادة من تدفّق هذه الدولارات.
ولبنان، بحسب فرح، يشكّل حالة إستثنائية بين كل البلدان بسبب التدفّق الهائل للدولارات من اليد اللبنانية القوية العاملة في الخارج، فيما حجم اقتصاده صغير، وبالتالي، فإن هذه الدولارات الوافدة إلى لبنان ستنفع كثيراً الإقتصاد عند البدء بتنفيذ خطة الإنقاذ.
ولكنه يعتبر، إنه في الوقت الحالي، فإن جزءاً من الدولارات سيدخل في الدورة الإقتصادية، بينما الجزء الأكبر سيتجمّع عند المستثمرين الذين سيحقّقون الأرباح، ويعمدون إلى تحويلها إلى الخارج، وجزء صغير سيستفيد منه مصرف لبنان الذي سيشتري هذه الدولارات من السوق المحلي، ويؤمّن الإستحقاقات المطلوبة من الدولة اللبنانية.
وعن المجهول الذي يتحدّث عنه بالنسبة واحتمال حصول توتر وانفجار اجتماعي في الشارع واحتمال تكرار سيناريو سيريلانكا في الشارع اللبناني، يقول فرح، إنه مما لا شك فيه أن كل دولة تتعرّض لانهيار مالي وإفلاس، تشهد ثورات إجتماعية ضد السلطة، ويحاول الشعب تغيير هذه السلطة من خلال الإحتجاج في الشارع، ولكن في لبنان، ومع الأسف، تبيّن أن الأمل بتغيير السلطة بواسطة الإحتجاج في الشارع ضعيف جداً، بسبب الخوف من أن يتحوّل الغضب الشعبي إلى عنف إجتماعي، وتفشّي عمليات القتل والسرقات، خصوصاً وأن الأجهزة الأمنية عاجزة عن ضبط الوضع جراء الضغط المعيشي، لذلك، فإن لبنان لن يذهب إلى النموذج السيريلانكي، بل على العكس إلى النموذج الفنزويلي، حيث تمتلك السلطة قبضة حديدية، ولا إمكانية لتغييرها، والعنف الإجتماعي يُتَرجم بتفشّي السرقات والقتل لضرب الإستقرار والأمن في الشارع.
ويتوقّع فرح، أن يزداد الضغط المعيشي على المواطن، وقد بدأ من خلال رفع تعرفة الإتصالات، وغداً تعرفة الكهرباء، إضافة إلى رفع الدعم الجزئي على بعض المواد، وهنا الخشية من أن يكون الإنفجار الإجتماع بين اللبنانيين أنفسهم، وليس بينهم وبين السلطة، خصوصاً وأن في لبنان فئة قادرة على الحصول على الدولار “الفريش”، وبالتالي، فإن هذا التفاوت الكبير الموجود بين الطبقات الإجتماعية سيؤدي إلى حصول حساسية كبيرة قد تؤدي إلى انتشار العنف والسرقات، كما لا يمكن إغفال وجود العدد الضخم من النازحين السوريين، والذي سيشكّل عاملاً إضافياً لتفشّي العنف الإجتماعي، وهذا هو الخوف الأكبر في البلد.