“إنخفض سعر صرف الدولار ولكن أسعار السلع الاستهلاكية الأولية لم تنخفض”، جملة اعتدنا سماعها منذ بدء الأزمة في لبنان حتى اليوم. ففي كل مرة يرتفع فيها سعر الدولار، يتهافت التجار الى رفع اسعارهم. أما عند انخفاضه، فتبقى الأسعار على حالها، وفي كل مرة تكون الحجة ذاتها: كلفة المحروقات وشراؤها على الغالي… وبين جنون الدولار وجشع التجار وغياب الدولة، يعاني المواطن اللبناني لتأمين قوته اليومي. فمن هو المسؤول؟ ومن يحمي المواطن في هذا البلد؟
في وقت ما زالت فيها أسعار السلع الاستهلاكية مرتفعة، هناك توقعات بأن تشهد أسعار المنتوجات الزراعية انخفاضاً، وذلك لعدم إمكانية تصديرها الى الخارج. وأعلن رئيس تجمع المزارعين والفلاحين ابراهيم الترشيشي أن المزارعين سيقومون بالتصعيد بدءاً من الأسبوع المقبل، وقال في بيان: “آلاف الاطنان من الفاكهة والخضار اللبنانية ممنوعة من التصدير وإدخال العملة الصعبة، والسبب إضراب الموظفين، وإن كنا نتضامن مع مطالبهم، ولكن نناشدهم تسهيل أمور التصدير الزراعي، ولا يجوز تحميلنا مسؤولية هذا الانهيار الاقتصادي”. ولفت الى أن “ما نعانيه اليوم كارثي، فنحن محاصرون بمنع التصدير وكذلك نشكو من قرارات وزارتي الاقتصاد والزراعة في ما يتعلق بزراعة القمح، فالمزارعون مهمشون ولا أحد يريد شراء محصولهم ويمنع عليهم التصدير، وفي الوقت نفسه نعلن للوزارتين بأن المزارعين حاضرون لبيع انتاجهم الى الدولة اللبنانية وبسعر أقل من 100 دولار عن السعر العالمي”. وختم الترشيشي: “إن الغياب الوزاري هو سمة واقعنا على عتبة عجلة انطلاق مواسم حصاد وقطاف الانتاج الزراعي، ولا يجوز تحويل مواسم الخير والبركة الى مواسم قاتلة للمزارعين، وعلى المعنيين حل مشكلة إضراب الموظفين وشراء موسم القمح”.
إذاً، هل يمكن أن يشهد القطاع الزراعي تراجعاً في الأسعار؟
أسعار المنتجات الزراعية الى انخفاض؟
عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عمران فخري يرد على هذا السؤال قائلاً: “إن “روح” المنتجات الزراعية فور عرضها في الأسواق، “قصيرة”، فلا يمكننا تخزينها كالسلع الغذائية الباقية وبيعها في وقت لاحق لتحقيق الارباح منها أو للحفاظ على ربح معين، وكما أصبح من الصعب تخزين بعض الاصناف التي كانت تعيش لمدة شهر أو شهرين في البرادات نظراً لكلفة استعماله العالية. لذلك، في حال أصبح العرض يفوق الطلب في الأسواق الزراعية، ستنخفض أسعار المنتجات الزراعية وستباع أحياناً بأقل من كلفتها، لأن أي سلعة لا تجد طريقها للتصدير وهي على وشك أن تتكاثر في بلد المنشأ، ستتلف أو ستنخفض أسعارها”.
برّو: يجب معالجة الأسباب وليس النتائج
ويرى رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برّو “أن الفوضى التي تعمّ السوبرماركات والمحلات الصغيرة أصبحت معروفة، وما يهمّ اليوم هو معالجة المشاكل التي أدت الى الوصول لهذه الحالة وليس فقط الإضاءة عليها. فالسؤال الأساسي الذي يجب طرحه اليوم: ما هي التدابير التي يجب اتخاذها للخروج من هذه الأزمة؟ حتى اليوم، ما زالت السلطة نفسها هي التي تتحكم بالدولار وفق حاجاتها ومصالحها وهي ذاتها التي وضعت لعبة الإفلاس والانهيار على الطاولة. فالأسعار الجنونية هي من أعراض السرطان اللبناني الذي سببته طبيعة النظام الطائفي المافيوي وتواطؤ السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية مع المصارف وكبار التجار، وهيمنتهم على السلطة والاقتصاد وبالتالي على الشعب اللبناني. واليوم أصبح من الضروري فهم النظام الاقتصادي في لبنان وطرق بنائه، لذلك لا يجب معالجة النتائج، بل يجب البدء بمعالجة الأسباب.
الحلول
“واذا اردنا اليوم التكلّم عن الحلول، فهي بالطبع لا تكمن فقط بمعالجة ورقابة الاسعار، فهي بلا جدوى أمام الانهيار والفوضى الحاصلة”، يقول برّو، “والحلول المطروحة اليوم تشكل البديل لتركيب طرابيش حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ودعم التجار والمصارف الذين يستنزفون يومياً ما تبقّى من أموال المودعين، عن طريق إقرار خطة التعافي ووقف خروج العملة الصعبة فوراً واقرار قانون المنافسة وجدولة دفع الودائع بالدولار أسبوعياً، ووقف احتكار عصابة تجار السياسة وعائلاتهم الذين يهيمنون على الأسواق”. ويناشد برّو “القوى الاقتصادية المتبقية في البلاد للإتجاه نحو المدخل الأساسي للخروج من كل الازمات، وتطبيق الدستور حرفياً بتجريده من الطائفية، وقتل النظام الطائفي لأنه هو أساس كل الأزمات والمآسي التي يتعرض لها لبنان اليوم”.
ويبدو أن “الأمن” بجميع أشكاله مفقود في لبنان. والسؤال اليوم: أين الدولة؟ نعم هي غائبة، فإن غابت الدولة عن القيام بمهامها، سادت شريعة الغاب. لقد أصبحنا بدولة شريعة الغاب حيث يعيش فيها الأقوى.