تنشغل الساحة الداخلية بجدول أعمال الجلسة التشريعية لمجلس النواب المقررة غداً، كونه حافلاً بمواد دسمة ومصيريّة تتقدّمها المادة الأولى التي تنصّ على التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون… وصولاً إلى اقتراحات قوانين تتعلق بالقطاع المصرفي والتي لا تزال تشكّل محطات خلافية وجدلية تعوق إقرارها، وأبرزها: اقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى تعديل بعض أحكام قانون سريّة المصارف، واقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية، واقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى إصلاح وضع المصارف المتوقفة عن الدفع وإعادة تنظيم القطاع المصرفي…
اقتراحات القوانين لزوم القطاع المصرفي تُثير مجدداً دور الدولة في كلٍّ منها، خصوصاً أنها تطرح الخطط نائيةً بنفسها عن أي مسؤولية اتجاه المودِعين الذين يشكّلون شريحة كبيرة من شعبها كما أن مصرف لبنان هو مصرفها قبل أي شيء آخر! فالأمران يحتّمان عليها البحث عن موارد وسبل تؤول إلى تسديد ديونها لمصرف لبنان ليستعيد المودِعون أموالهم…
في السياق، تأسف أوساط مصرفيّة للخطة التي وضعتها الحكومة تحت عنوان “إعادة هيكلة القطاع المصرفي” والتي تتضمّن معلومات مغلوطة وغير دقيقة سبق وورد بعضها في تقرير “لازارد” الشهير في عهد حكومة الرئيس حسّان دياب.
وتستغرب عبر “المركزية” كيف يرِد في هذه الخطة وغيرها من الخطط والدراسات المتعلقة بإعادة الهيكلة، عبارة “خسائر الدولة”! في حين أن ليس للدولة ما يسمّى “خسائر” بل “ديون” وهذا المصطلح الصحيح”.
وتشدّد في هذا الإطار على “وجوب الحديث عن “ديون الدولة” وإلقاء الضوء عليها وتفنيدها، وليس عن خسائرها. فالدولة كانت تستدين من المصرف المركزي للإنفاق في شتى المجالات من رواتب وتغطية لفواتيرالكهرباء ومشاريع”.
لذلك “على الدولة أن تسدّد ديونها للمصرف المركزي كي يعيدها الأخير إلى المصارف، عندها تستقيم الأمور وينتظم القطاع” وفق الأوساط المصرفية.
وتستشهد الأوساط بمذكرة ربط النزاع التي تقدّم بها 11 مصرفاً إلى وزارة المال لإلزام الدولة اللبنانية بتنفيذ موجباتها القانونية والتعاقدية تجاه مصرف لبنان عن طريق التسديد الفوري للمبالغ المستحقة بذمّتها له، بما أن المصارف المستدعية هي دائنة لمصرف لبنان ومتضررة من عدم مطالبته الدولة اللبنانية بديونها، وتالياً وجوب تسديدها المبالغ التي استدانتها منه والبالغة قيمتها 16,617,199,858 د.أ، وأن تغطي كامل الخسائر التي تظهر في عجز ميزانيته بعدما تم تصحيحها بموجب تقرير “ألفاريز أند مارشال” والبالغة 51,302,155,887 د.أ إضافة إلى تسديد قيمة العجز الإضافي عن عامَي 2021 و2022 على أن تكون التغطية بالدولار الأميركي”.
مصدر مالي يشير في هذا السياق، إلى مبالغ تدخل تحت مسمّى “مطلوبات” تتعلق برسملة مصرف لبنان، ويوضح لـ”المركزية” أن “الخسائر تُسجَّل على حساب مصرف لبنان وتتحوّل إلى مطلوبات وفق المادة 113 من “قانون النقد والتسليف”، ويجب على الدولة تسديدها”.
ويذكّر بأحد الاجتماعات الذي يعود إلى العام 2014 أي قبل وقوع الأزمة المالية مع بداية ظهور بوادر أزمة سيولة في القطاع المصرفي، “أبلغ حاكم مصرف لبنان آنذاك رياض سلامة أصحاب المصارف أن الأموال التي يودِعونها لديه، يضعها لدى المصارف المراسلة وبالتالي إنها الآلية ذاتها عندما تضعها المصارف مباشرةً… إذاً الأموال مضمونة من دون ريب أو شكوك”.
ويتابع: عندما بدأت أزمة السيولة تتفاقم خلال عامَي 2018 و2019 وأثيرت الشكوك حول هذا الكلام، عاد سلامة وطمأن إلى أنه حصل على تأكيدات من الدولة اللبنانية بأنها ستدفع الخسائر وتُعيد الرسملة وستَفي بالتزاماتها وفق قانون النقد والتسليف” من دون أي خوف أو تردّد… فأين هي الدولة اليوم من تلك ذاك التعهّد؟!
وليس بعيداً، يُلفت المصدر رداً على سؤال، إلى أن “تقرير التدقيق الجنائي قد فضح الدولة اللبنانية أكثر من أي طرف آخر… إذ أظهرت “ألفاريز” في تقريرها عجزاً في ميزانية مصرف لبنان بقيمة 50.7 مليار دولار نهاية العام 2020، وبالتالي الدولة مسؤولة عن هذا الدين… في المحصلة، إن مصرف لبنان هو مصرف الدولة، وكما كان مصرف لبنان يعطي الدولة حصصاً من أرباحه، كذلك يفترض بالدولة أن تتحمّل معه الخسائر وفق ما ينصّ عليه “قانون النقد والتسليف”.
ويختم المصدر مذكّراً بالخسائر البالغة 76 مليار دولار “وهي بمثابة ديون، تُضاف إلى المطلوبات التي هي بدورها ديون على الدولة إنفاذاً لـ”قانون النقد والتسليف”.