توقّع حزب الله الخرق لأمنه من شبكة الاتصالات الرسمية، فأتى على شكل تفجير لتجهيزات عبرت إلى الأراضي اللبنانية بطرق غير رسمية. فهل يسلط ذلك الضوء على المخاطر الأمنية التي تستجرها المعابر “الموازية” للمعابر الشرعية، أسوة بالتداعيات التي تخلفها على المستوى الاقتصادي؟
على مدى أشهر طويلة شكلت المخاوف من الخروقات الإسرائيلية للشبكة الرسمية وأمن لبنان السيبراني، مصدر قلق، عبّر عنه في لجنة الاتصالات النيابية خصوصاً، رئيس اللجنة النائب إبراهيم الموسوي، والنائب قبلان قبلان. قدم نائبا الثنائي الشيعي هذا الملف على طاولة اجتماعات اللجنة، وجعلوا منه أولوية مطروحة في كل جلسة لها، وصولاً إلى استغراقه معظم الوقت الذي كان مخصصاً لجدول أعمال مختلف في اجتماع اللجنة الأخير، الذي انعقد في الأسبوع الأول من أيلول الجاري.
خروقات للشبكة!
هذا الملف المزمن بقي من دون إجابات واضحة للرأي العام، تنفي أو تؤكد أي خروقات ممكنة لشبكة الاتصالات وكوابلها البحرية، إلى أن اكتسب أهميته إثر حرب المشاغلة التي بدأها حزب الله في جنوب لبنان، وما خلفته بعض عمليات الاغتيال لقياديين وعناصر في صفوف الحزب، من قناعات حول خروقات واقعة وممكنة لشبكة الاتصالات الرسمية، أكدها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، عندما أفتى إلى محازبيه ومناصريه بالتخلي عن أجهزة الهاتف حماية لأنفسهم ولبيئتهم.
تعزّزت هذه المخاوف على المستوى العام، إثر تعطيل نظام عرض المعلومات عن الرحلات ونظام مناولة الحقائب في مطار رفيق الحريري الدولي بـ7 كانون الثاني من العام الجاري، بالإضافة إلى التهكير الذي حصل لموقعي مجلس النواب ووزارة الشؤون الاجتماعية الإلكترونيين. الأمر الذي استنفر الجهود الأمنية والسياسية، ليفتح ملف الأمن السيبراني على عقود وأنظمة جرى تلزيمها في أوقات سابقة، بالإضافة إلى إحياء الحديث عن الوكالة الوطنية للأمن السيبراني، بما يؤمن حسن استخدام الموارد البشرية والمالية.
إلا أن هذه الحيوية التي ترافقت مع الاعتداء الذي تعرض له المطار خصوصاً، بقيت في إطار رد الفعل، بصرف النظر عن التوافق على كون “أمن الاتصالات مسألة أمن قومي لا مزح فيه”، وعلى الرغم من ما كشف حينها عن جهود بذلت، لتنقل البحث في الأمن السيبراني إلى “مستوى تنفيذي”، بالتزامن مع إجراء عمليات تقييم شاملة لواقع البنية التحتية المعلوماتية في الوزارات والإدارات الحساسة، تمهّد لخطوات تشريعية، تنظيمية، وتمويلية، فإن مشروع القانون الذي كان قد أعد للحكومة لإنشاء الوكالة الوطنية للأمن السيبراني ووضع توصيفها الوظيفي، لم يحول للجان النيابية، وفقاً لما طلب حينها، ولا يزال حتى اليوم في أدراج الحكومة.
الحدود المفتوحة على الخطر
نام ملف الخرق الأمني المتأتي من التحول الرقمي، لفترة طويلة، قبل الاستفاقة المتكررة على الخطر الذي قد يتأتى عن وسائل التكنولوجيا، خصوصاً بظل ما يعانيه لبنان من هشاشة بتطبيق أنظمته، وضعف القدرة السلطة الشرعية على إخضاع جميع فئات المجتمع لها. فرسخت سابقة تفجير أجهزة البايجر والـIcom بين أيدي حامليها، الهواجس من مخاطر الحدود المفتوحة على استيراد الإرهاب الممكن في أي لحظة إلى لبنان.
وبعد أن كان التشكيك بالمعلومات التي تبثها الشبكة وليس بالجهاز، وحتى بالنسبة لشبكة حزب الله الخاصة، التي سرت شبهات كثيرة باختراقها في تنفيذ عملية اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر، سلط الضوء على تداعيات العبور غير الشرعي للبضائع، والتي سمحت بدخول تجهيزات إلكترونية من دون أن تخضع لإجراءات الحيطة المتخذة على المعابر الشرعية، على الرغم من وصف هذه التجهيزات بقنابل موقوتة، وفقاً لما قالته رئيسة الهيئة الوطنية للأمن السيبراني لينا عويدات في حديث سابق لـ”المدن”.
وفي استيضاح لوزير الاتصالات جوني القرم عن مصدر ثقته بشبكة الأمان التي تتمتع بها أجهزة الخلوي، وفقاً لما صرح به عقب التفجيرات الأخيرة، قال لـ”المدن” إن ليس لديه ما يضيفه عن تصريح سابق له. شارحاً أن الخرق الذي حصل يشكل عملاً إستخباراتياً أمنياً عسكرياً، وهو عمل محدد بشحنة معينة، وليس حالة عامة. وأكد القرم أن التجهيزات التي تدخل إلى لبنان من خلال وكيلها، والمرخصة من خلال وزارة الاتصالات، وتستحوذ على موافقة المستورد، تخضع لتدقيق أمني قبل السماح بدخولها إلى لبنان، وتحديداً من قبل مخابرات الجيش والأمن العام. مشدداً على أن هذا الأمر ينطبق بالتحديد على الهواتف التي تدخل عبر وكيل. ومن هنا اعتبر أنه “يجب طمأنة المواطنين، لأن ما حصل لا يمكن تعميمه”.
تجنب القرم في المقابل، الخوض في مسألة الخروقات الممكنة للشبكة والتي تحمل تهديدات من نوع آخر جعلت حزب الله يتوجه إلى أجهزة لا تستخدم الشبكة، معتبراً أن “هذا ليس الوقت لطرح هذا الأمر، ونحن أمام مسألتين منفصلتين.”
تطمينات “الاتصالات”
تطمينات وزير الاتصالات حول الحماية التي تتمتع بها تجهيزات الخليوي المستوردة بطرق شرعية، شكل إقراراً ضمنياً بالطريق المعبد أمام دخول تجهيزات أخرى من خارج النظام الرقابي المعتمد. وهذا ما يضاعف مخاطر الخدمات عن بعد، التي تصبح معرضة لخروقات أمنية، وخصوصاً بظل ما تشكله من “بنى تحتية حرجة”. وهذا ما يعيدنا إلى ما ذكرته عويدات في حديث لـ”المدن” حول ضرورة تطبيق استراتيجية الأمن السيبراني والاتصالات عن بعد، لجهة تصنيع كل الأمور الدقيقة محلياً، وعدم اعتبار أي جهاز يأتي من الخارج آمناً.
لا شك أن لجوء حزب الله للبايجر حتمته الحاجة، فتحول سجيناً لهذه الحاجة التي جعلته ربما يتسرع في استيراد كمياته الكبيرة، علماً أن تصنيع هذا الجهاز كما يؤكد مصدر نيابي خبير بالقطاع، سهل جداً، وخصوصاً بظل القدرات الفنية والعلمية المتوفرة لدى كوادر الحزب وقيادييه، وهذا ربما كان ليجنب مناصريه ومحازبيه العقل الإجرامي المجرد من الإنسانية، الذي سمح لإسرائيل باختيارهم كأهداف عسكرية، لتسلك بإرهابها المعابر “الموازية” في إختراق غير مسبوق لسيادة بلد وأمنه القومي.