“الديوان” يفنّد صفقات مباني الخلوي: صرف 60 مليون دولار بلا إشغال أو تملّك!

أحال ديوان المحاسبة ملف المخالفات المالية لوزارة الإتصالات على النيابة العامة لدى الديوان وعلى النيابة العامة التمييزية وعلى الغرفة القضائية المختصة، إثر انتهاء الهيئة القضائية برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وعضوية المستشارين محمد الحاج وجوزف الكسرواني من إعداد تقريرها الخاص المرتبط بإجراء شركة MIC 2 صفقتين:

– الأولى تتعلق باستئجار مبنى في منطقة الشياح المعروف بمبنى قصابيان، ودفع بدلات ايجار عن عدة سنوات من دون أن تقوم شركة MIC 2 بالانتقال إليه واشغاله.

– والثانية تتعلق باستئجار شركة MIC 2 البلوكين (B و C) في منطقة الباشورة، قبل أن تعمد الشركة المذكورة بعد عدة أشهر من إشغال المأجور إلى فسخ عقد الإيجار الذي كان من المقرر أن يمتد لمدة خمس عشرة سنة، إلى شراء المبنى.

ووفق التقرير الخاص المحال من قبل رئيس الديوان القاضي محمد بدران بتاريخ 11/4/2023 إلى المراجع المختصة، تبيّن «أن المبالغ والنفقات والمصاريف التي تكبدتها شركة ميك 2 نتيجة عقد الإيجار مع شركة قصابيان تقدر بـ /10.344.398/ دولار أميركي وكلها من دون أي منفعة مقابلة. وذلك، من دون إحتساب ضريبة الأملاك المبنية واشتراكات الماء والكهرباء والرسوم البلدية وما يكون قد استحق نتيجة إلغاء العقود بعد 7/10/2015 أو أتعاب المحامين لمتابعة الدعاوى المقامة أو ما قد تنتهي إليه الدعاوى المقامة ضد شركة ميك 2 من الشركة المالكة، وهي دعاوى ترمي إلى تسديد بدلات السنوات اللاحقة والتي يتجاوز مجموعها 20 مليون دولار أميركي».

في حين قدّر التقرير خسائر الخزينة العامة المرتبطة بمبنى الباشورة بموجب الصفقات الحاصلة على البلوكين Cو B بـ 102.933.370,50$ (سدد منها فعلياً 52.833.370.5 $). وأشار إلى «أن المبالغ المدفوعة لاستكمال وتجهيز المبنيين عند إبرام عقد الإجارة والتي لم يصر إلى حسمها من ثمن البيع ما أدى إلى تسديدها مرتين، تصل إلى 22.600.000 $».

وخلص التقرير إلى أن المبالغ التي يجدر استردادها أو التدقيق في مدى توجبها من مجموع المبالغ المتوجبة بموجب الصفقات المذكورة تتجاوز خمسين مليون دولار أميركي /50.000.000$/.

وذلك، مع إشارته إلى إحتمال تفاقم الخسائر في حال نجحت الجهة بائعة المبنيين في دعواها بفسخ عقد البيع وتحصيل غرامة إكراهية قدرها 15 ألف دولار عن كل يوم تأخير أي ما قدره 5.475.000 عن كل سنة تأخير، لتخلف شركة ميك 2 عن تسديد رصيد الثمن البالغ 45 مليون دولار، أو في حال إفلاس شركة «سيتي دفلوبمنت» مما يؤدي إلى سقوط المبنيين في يد الدائنين أو في حال تنفيذ عقود التأمين من قبل دائنيها (فرنسبنك) على سبيل المثال.

التوصيات

وإنطلاقاً من مبدأ ترشيد الانفاق واعتماد الحوكمة والشفافية في ادارة وتنفيذ المشاريع العامة إثر «عدم تحقيق الأهداف من وراء استئجار مبنى قصابيان والتعثر الذي رافق ولا يزال عملية استئجار ثم شراء مبنى الباشورة نتيجة عدم نقل ملكية المبنى إلى الدولة اللبنانية (شركة انتريم كومباني 2) ووجود دعوى امام القضاء من قبل المالك قد تؤدي إلى فسخ عقد البيع»، كان للديوان العديد من التوصيات:

1 – احاطة مجلس النواب علماً بالتقرير الحاضر للاطلاع عليه، واخذ العلم بالمعطيات والملاحظات الواردة فيه، واجراء اللازم بالشأن.

2 – أن تعمل وزارة الاتصالات بالتنسيق مع الادارات المعنية ومنها هيئة القضايا لدى وزارة العدل، على إعداد ملف لتحديد المسؤوليات عن الخسائر المادية التي لحقت فعلاً بالاموال العمومية وفقاً لما هو مبين في التقرير تمهيداً لمطالبة المتسببين بتعويض عن العطل والضرر (بالنسبة والتناسب) تحت طائلة مراجعة الجهات القضائية المختصة.

3 – أن تعمل وزارة الاتصالات بالتعاون مع هيئة القضايا لدى وزارة العدل ووزارة المالية والشركة المشغلة على اتخاذ الاجراءات والأطر الكفيلة بنقل ملكية مبنى الباشورة (البلوكين Bو C العقار 1526) إلى الدولة اللبنانية – شركة انتريم كومباني 2 بأسرع وقت ممكن.

4 – توصية وزارة الاتصالات وبالتعاون مع هيئة القضايا لدى وزارة العدل على تسوية النزاع القائم مع مالك مبنى قصابيان وانهاء هذا الملف في اقرب وقت ممكن ما للاستمرار في المحاكمات من انعكاسات سلبية على الفرقاء كافة.

5 – إحالة الملف على النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة وعلى النيابة العامة التمييزية عملاً بالمادة /27/ من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، وعلى الغرفة القضائية المختصة في ديوان المحاسبة.

6 – اعتماد الجهات المختصة والادارات ذات الصلة مبدأ «المنافسة» كشرط أساسي وكلما كان ذلك ممكناً في شراء واستئجار العقارات، وتجنب شراء عقارات مرهونة أو مثقلة بتأمينات، وضرورة ان تعمد إلى نقل ملكيتها اثر عمليات البيع، وفحص متانة ومدى صلاحية العقارات المشتراة والمستأجرة وفق الغايات المنشودة.

7 – اعتماد التخطيط ضمن رؤية واضحة عند اجراء مشاريع مماثلة نظراً للتعثر الذي وقعت به وزارة الاتصالات والشركة المشغلة (انتريم كومباني 2) نتيجة فشل هاتين الصفقتين ما تسبب باضرار بالغة بالمال العام وبمصداقية الشركة المشغلة والدولة اللبنانية تجاه القطاع الخاص.

8 – النظر في العوائق التي تحول دون وضع خطة شاملة لقطاع الخلوي في لبنان ما يسمح بإدخال القطاع الخاص بهدف تأمين مزاحمة أوسع وصولاً إلى خدمات تنافسية بكلفة أقل وجودة أعلى، والذي يمكن تحقيقه من خلال تعديل القانون رقم 431/2002 وتفعيل دور الهيئة المنظمة للاتصالات في اطار من الاستقلالية.

وقائع قضية مبنى «قصابيان»وفنّد الديوان في تقريره الوقائع المرتبطة بالصفقتين. وإعتبر أن قضية مبنى قصابيان تعود إلى فترة تولي الوزير السابق شربل نحاس وزارة الإتصالات، وتعاقب كلٌ من الوزيرين السابقين نقولا الصحناوي وبطرس حرب. وأوضح التقرير رفض الوزير نحاس في العام 2011، طلب الشركة عبر رئيس مجلس إدارتها كلود باسيل من وزارة الإتصالات الإنتقال إلى مبنى كائن في منطقة الشياح (مبنى قصابيان) بمجموع بدلات يتجاوز 38 مليون دولار على إمتداد 10 سنوات فضلاً عن الموافقة على تسديد 5 ملايين دولار لأعمال تجهيز المبنى وتقطيعه وفق حاجات الشركة. وذلك قبل معاودة الشركة عرض نفس المبنى في العام 2012 على الوزير نقولا الصحناوي الذي وقّع عقد الإيجار في أيلول من العام نفسه بعد تخفيض ما يقارب الـ 7 مليون دولار. تلاها توقيع ملحق على العقد بعد إكتشاف عيوب البناء، والتي تطلبت موافقة الوزارة على صرف ما يقارب مليون و800 ألف دولار لإنجاز أعمال التدعيم و11 مليون دولار لسداد تجهيزات المبنى. ومع وصول الوزير بطرس حرب إلى وزارة الإتصالات في شباط 2014، طلب الإستفادة من إمكانية الفسخ المبكر للعقد فور انتهاء السنة الثالثة. الأمر الذي رفضته الشركة المالكة لمبنى قصابيان، وأصرت على استمرار العقد حتى إنتهاء مدته وتتحول تلك القضيّة إلى لائحة القضايا التي تنتظر السلطة القضائية البتّ بها. وتضمن التقرير تفنيداً دقيقاً لحيثيات الصفقتين، لم يخلُ من خلاصات بشأن المسؤوليات المختلفة المتصلة بهما، وسط الإشارة إلى «أن الشركة المشغلة MIC 2، لم تتخذ الاجراءات القانونية والقضائية الكفيلة بالحد من الخسارة وضبط الهدر تبعاً لفسخ عقد قصابيان. بل اعتمدت ضبابية في التعامل مع الجهة المالكة من خلال توجيه رسائل متناقضة كما ثبت أعلاه، بما يخالف التعليمات والتوجيهات الخطية المعطاة لها في هذا الخصوص، وعلى نحو قد يعرض شركة MIC 2 للمسؤولية تجاه الجهة المالكة». كما أوضح التقرير أن مسؤولية الوزير نقولا صحناوي تكمن في موافقته على إبرام العقد رضائياً من دون اشتراط إجراء مناقصة أو استجرار عروض مسبقة. مع التوقف عند تجاهله وتجاوزه الاعتبارات التي كان سلفه الوزير شربل نحاس أثارها لرفض استئجار مبنى قصابيان، من دون إعطاء أي تبرير لذلك. ما أدى إلى دفع وإهدار أكثر من 10 ملايين دولار من دون أي منفعة فعلية.

مسؤولية الوزراء المتعاقبين

وعن القضية الثانية، رأى الديوان أنّ مسؤولية الوزير جمال الجراح تكمن في إهمال إجراء رقابة وتدقيق فعليين على العروض المقدمة من الشركة المشغلة، وموافقته على عقود إيجار أعلى من أسعار السوق، وأنه لم يعرض الصفقتين (الإيجار وتجهيز المبنى) لموافقة مسبقة من ديوان المحاسبة. وحمّل الوزير محمد شقير مسؤولية الإهمال وعدم إتخاذ أي إجراء بشأن الملابسات المحيطة بصفقة الإجارة ولا بحق الشركة المشغلة ولا بحق وزير الإتصالات السابق. وأنه إكتفى بمعالجة النتائج المترتبة على وضع مريب وذلك بإبرام صفقة جديدة. كذلك، طال التقرير الوزيرالسابق طلال الحوّاط، والحالي جوني قرم، وأشار إلى أن كلاهما أهمل تبعات هاتين الصفقتين، واتخاذ الخطوات اللازمة لضمان الحفاظ على المبنيين ما قد يتسبب بمزيد من الخسائر.

وفي ختام التقرير، تساءل الديوان ما اذا كان الهدف من وراء هاتين الصفقتين صرف أموال عمومية دونما أي تغيير في واقع الحال، إنطلاقاً من تسلسل الأحداث والنتائج الواقعية والقانونية التي تحققت، والتي أدت بطبيعة الحال إلى عدم إشغال مبنى قصابيان ولا إنتقال ملكية مبنى الباشورة إلى الدولة اللبنانية؟؟

مصدرنداء الوطن - طوني كرم
المادة السابقةزيادات الرواتب لم تُعطِ مفعولها… والكباش مستمرّ
المقالة القادمةتهريبة الـ”كابيتال كونترول” تتفاعل… والطعن وارد