الإشكالية الكبرى في القروض الصغيرة تكمن في تقديمها كحلّ لمأساة الفقر العالمية من ضمن قوانين السوق النيوليبرالي. وضمن هذا الطرح تُنسى السياقات التي أدّت إلى هذا الفقر وأسبابه. ففي مثال بنغلادش التي ابتكرت هذه «الحلول»، تغفل سردية محاربة الفقر أن هذا البلد كان أهم مصدّري الأقمشة العالية الجودة في العالم، وأن صناعته دُمِّرت لعجز صناعة المستعمر البريطاني عن منافستها، وأن المستعمر تفوّق صناعياً بتكسير الأنوال وأصابع النسّاجين، كما يسقط من السياق أن البريطانيين تسببوا عمداً في تدمير النسيج الاجتماعي الزراعي، ونهبوا اقتصاد البلاد، وأدخلوها في أفظع دوامة مجاعات في التاريخ الحديث. يتم تجاهل هذه السياقات في السردية كي لا يتحمّل المستعمر المسؤولية وكي لا يدفع الثمن، بل أكثر من ذلك ليستمر النهب.
ظهور محمد يونس كطالب بنغالي درس الاقتصاد في الجامعات الأميركية مثقلاً بسؤال محاربة الفقر في نهاية الثمانينيات، لا يخرج عن سياق الحرب الباردة أيضاً، والتي كانت بنغلادش إحدى ساحاتها المهمة. تغفل السردية أيضاً النهب المعولم للدولة وتجريدها من مصادر دخلها وإجبارها على نزع شبكة الحماية الاجتماعية لعموم سكانها الذين فقدوا علاقتهم الإنتاجية بالأرض وتُركوا بلا عمل وبلا أدوات عمل وبلا تعليم يحميهم من افتراس «قروش الدَّيْن» العالميين لهم باستغلال بساطتهم وجهلهم. تأتي سردية القروض الصغيرة لتقدم نفسها كحل سحري يتمثّل في أن إخراج مليارات الفقراء لا يحتاج إلى أكثر من تأمين بعض السيولة المتناهية الصغر، ولكنها لا تتحدث عن استغلالها لجهل عدد كبير من هؤلاء بالقانون وحتى القراءة والكتابة وبتبعات هذه الديون الفاحشة الفوائد والربح. ولا تتحدث عن دورها في تجريد المجتمعات الفقيرة من آخر شبكات الأمان والحماية من تضامن اجتماعي محلي أو مؤسسات تعاونية أو نقابات كانت تعفي الفقراء شرّ السؤال أمام المصارف الربحية المتنكّرة في لبوس الجمعيات غير الربحية.