شهد لبنان منذ عقود أزمات متتالية فقد عرف الحرب الأهلية والتوترات الأمنية والتفجيرات والاغتيالات، وكل ذلك دفع بمئات الآلاف من اللبنانيين إلى الهجرة أو البحث عن عمل في الخارج. وفي كل عائلة يوجد فرد على الأقل اختار مغادرة البلاد إلى أميركا اللاتينية أو الدول الأفريقية أو أوروبا أو دول الخليج.
ولكن الآن، تُظهر رغبة المئات من اللبنانيين في الرحيل عن البلد نهائيا وإلى الأبد مدى قسوة الظروف الاجتماعية والمالية، التي باتت تهيمن على حياتهم بسبب الجمود السياسي الذي زاد من تعاسة الناس وجعلهم يحزمون حقائبهم استعداد للمغادرة. وثمة شواهد كثيرة تؤكد ذلك.
وبسبب الخراب المالي والمؤسسات المنهارة، والتضخم المفرط والفقر المتزايد بسرعة، غادر الآلاف بلادهم منذ بدء الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان في أواخر عام 2019، وهي موجة نزوح تسارعت بعد الانفجار الهائل في ميناء بيروت في أغسطس الماضي، الناتج عن تخزين أطنان من نترات الأمونيوم بشكل غير سليم. وقد أدى إلى مقتل 211 شخصًا وتدمير مناطق سكنية قريبة.
وظل لبنان دون حكومة منذ ذلك الحين، مع وصول القادة السياسيين إلى طريق مسدود أو شعورهم بالرضا عن النفس بينما تتجه البلاد نحو الانهيار الاقتصادي التام مع اقتراب نفاد إمدادات الوقود مما يعرض البلاد لخطر الانغماس في ظلام دامس مع انتهاء مخزون محطات الطاقة والمولدات.
والآن، يغادر المهنيون من الشباب ومتوسطو العمر من الأطباء والمهندسون والصيادلة والمصرفيون، كجزء من أحدث موجة من الهجرة في تاريخ الدولة الصغيرة الحديث.
المغادرة أو البقاء أبرز سؤال طرحه كل جيل من اللبنانيين تقريبا على مدار مئة سنة من تاريخ البلد المضطرب، المليء بعدم الاستقرار والأزمات حيث شهدت البلاد حربا أهلية مدمرة استمرت 15 عاما واحتلالا عسكريا من جيرانها وتفجيرات واغتيالات سياسية ونوبات متكررة من الاضطرابات المدنية.
وأصبحت مشاهد الآباء والأمهات في المطار وهم يودعون أبناءهم المسافرين للعمل أو الدراسة في الخارج شائعة جدا. وتعتبر الأزمة الاقتصادية الحالية غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، ويخشى الكثيرون من أن هروب المهنيين المتعلمين واتساع رقعة الفقر سيغيران هوية هذا البلد الصغير إلى الأبد. ووجد الكثيرون حساباتهم المصرفية بالدولار مجمدة وعمليات سحب العملة المحلية محدودة مع محاصرة كل أموالهم. في ظل انهيار الليرة، وانخفاض الرواتب وتبخر المدخرات والودائع.