ارتفعت أسعار السجائر في لبنان بكافة أنواعها، مسجّلة أرقاماً قياسية بفعل تحليق سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وإذا كانت السلطة السياسية عاجزة عن حسم ملف الدولار الجمركي، فإن إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) حسمت أمرها وحدّدت الدولار الجمركي منفردة.
التسعيرة الجديدة
صدرت تسعيرة جديدة لكافة المصنوعات التبغية مشمولة بدولار جمركي تتراوح قيمته بين 10 آلاف و12 ألف ليرة، في حين لم يصدر قرار رسمي عن السلطة اللبنانية بشأن الدولار الجمركي. أما الدوافع التي أدت بالريجي إلى اتخاذ قرار برفع الدولار الجمركي فعديدة، أولها مماطلة الدولة اللبنانية باتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن، فاتحة المجال أمام التجار لاحتكار البضائع تحسّباً لإقرار الدولار الجمركي.
أما الدافع الثاني فيعود إلى نشاط التجار على خط التهريب إلى سوريا، ولا يختلف هنا حال المصنوعات التبغية عن باقي المواد الاستهلاكية التي يتم تهريبها عبر الحدود إلى الخارج، بفعل انخفاض أسعارها عن دول الجوار، لاسيما الأردن ومصر من جهة، وبفعل شحها في السوق السورية بسبب العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر.
وإذ يؤكد رئيس مصلحة المبيعات في الريجي حسين سبيتي في حديث إلى “المدن” اعتماد الريجي الدولار الجمركي بين 10 و12 ألف ليرة، يوضح بأن التجار يعمدون إلى تخزين السجائر منذ مدة تحسباً للدولار الجمركي، ومنهم من يبيع السجائر بقيمة توقعاته للدولار الجمركي. ونظراً لتأخر السلطة عن اتخاذ القرار بشأن الدولار الجمركي، اتخذت الريجي قراراً استباقياً يهدف الى منع التجار من التخزين والاحتكار لكافة انواع السجائر، على ما يقول سبيتي.
من هنا باتت أسعار السجائر رهن أمرين، زيادة الريجي للأسعار بفعل الدولار الجمركي، وزيادة الأسعار عموماً بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء (وتخطيه اليوم 39 ألف ليرة). ورغم ذلك لم يكتف العديد من التجار برفع الأسعار بحسب الدولار الذي اعتمدته الريجي، فهم يرفعون الأسعار بشكل إضافي تماشياً مع توقعاتهم لسعر الدولار الجمركي المرتقب.
آلية احتساب أسعار السجائر
يتم احتساب سعر صندوق السجائر (سعة الصندوق 50 كروز) بطريقة خاصة غير مرتبطة بشكل كلّي بسعر صرف الدولار. فنسبة 40 في المئة من سعر صندوق الدخان يتم احتسابها بالدولار الفريش و40 في المئة بالليرة الفريش على سعر الصرف الرسمي أي 1507 ليرات و20 في المئة يتم سدادها بموجب شيك مصرفي اي لولار (يصرف بنحو 17 في المئة من قيمته الحقيقية). وبهذه العملية يكون متوسط سعر صرف الدولار المعتمد لدى الريجي في تسعير السجائر نحو 17500 ليرة تقريباً، في حين أن دولار السوق السوداء فاق 39 ألف ليرة.
وعلى سبيل المثال في حال كانت فاتورة السجائر لدى التاجر 10 آلاف دولار يحتسب منها 4 آلاف دولار فريش و4 آلاف على 1507 ليرات و2000 دولار عبر شيك مصرفي. وبذلك يمكن احتساب صندوق الدخان من نوع سيدرز طويل مثلاً والمسعر رسمياً (راجع المستند المرفق) بـ415.86 دولار وفق سعر صرف 17500 ليرة للدولار، أي بنحو 7278000 ليرة فيصبح سعر الكروز الواحد بـ146 ألف ليرة ويضاف إليه نسبة ربح التاجر والمتجر.
ويوضح سبيتي بأن الريجي كمؤسسة عامة لا يمكنها التعاطي بالسوق السوداء. من هنا تضطر للدخول بهذه المعادلات حفاظاً على السوق، والحد من التهريب وعدم زيادة الضغوط على المستهلك. ويلفت سبيتي إلى انه في حال أقرت الدولة لاحقاً الدولار الجمركي دون 10 آلاف أو 12 ألف ليرة، فإن الريجي حينها ستخفض القيمة. أما في حال اقرت الدولة الدولار الجمركي بما يفوق 12 الف ليرة، فإنها سترفع السعر تماشياً مع قرار الدولة. مشيراً إلى انه في ظل معمعة ومماطلة الدولة بحسم قرار الدولار الجمركي، وإفساح المجال أمام التجار للتلاعب والإحتكار، وحده المستهلك مَن يدفع الثمن.
خط التهريب
الحديث عن تسعير السجائر وتهريبها يضع الإصبع على الجرح، فالتهريب عبر الحدود لطالما شكّل ممراً لاستنزاف البضائع والدولارات على مر سنوات، لاسيما في القطاعات التي كانت تتمتع بالدعم. أما في ملف الدخان، فالسوق السورية تفتقد للبضائع بفعل خضوعها لعقوبات قانون قيصر، في حين أن باقي أسواق المنطقة كالأردن ومصر وغيرها فإن أسعار العديد من منتجاتها تزيد عن الأسعار في لبنان. وهو ما يدفع بالمهرّبين إلى تهريب البضائع وجني الأرباح.
من هنا يمكن أن نستنتج أن اللاعب الأساس في عملية تسعير الدخان في لبنان هو السوق السوري والخارجي عموماً، فالمهربون يبيعون صندوق الدخان في الخارج بنحو 240 دولاراً فريش في حين أن سعره في لبنان كان يقارب 180 دولاراً فريش اي بسعره الحقيقي (في حين ان سعره الرسمي 380 دولار موزع بين فريش ورسمي ولولار). اما اليوم فبات سعر الصندوق مع الزيادة المستحدثة نحو 215 دولاراً نقداً، على ما يقول سبيتي، في حين ان التهريب يتم وفق سعر 240 دولاراً، وبالتالي تراجعت مكاسب المهربين والتجار كثيراً لصالح الريجي وذلك ما يحد من التهريب ايضاً.