يثير توجه السعودية المتزايد نحو هيئات الاستثمار الحكومية المحلية لتمويل العجز المتكرر للموازنة جراء انخفاض إيرادات النفط وتزايد احتياجات التمويل مخاوف الخبراء من انعكاس ذلك على الوضع الاجتماعي وتعميق متاعب المواطنين خصوصا لتأثير ذلك على مستوى الدين السيادي.
يتزايد اعتماد السعودية على مؤسسات استثمارية تابعة للدولة لتمويل المملكة وسط جائحة فايروس كورونا، وهي استراتيجية تثير التساؤلات عن إمكانية تأثر المواطن السعودي بصدمة قد تحدث على مستوى الدين السيادي.
شهدت المؤسستان اللتان تدعمهما الدولة – المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية – ارتفاع حيازتهما من الدين المحلي إلى المثلين تقريبا في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري في وقت تسعى فيه الرياض لتمويل عجز متزايد في الموازنة من خلال بيع السندات.
لكن انكشافهما على الشركات السعودية يظل طي الكتمان لأن الحكومة لا تتيح تفاصيل شاملة وحديثة عن محافظهما الاستثمارية أو عائداتهما.
وقال حسنين مالك رئيس استراتيجيات الأسهم في تليمر “في الأوقات العادية ربما يتسبب تمويل الحكومة من الكيانات المرتبطة بها في إثارة القلق في ما يتعلق بشفافية الرقم النهائي للدين وما يتعلق بالإدارة الذاتية لهذه الكيانات.
غير أن هذا القلق على الالتزامات الإجمالية لكل الكيانات الحكومية موجود منذ فترة في أنحاء أخرى من مجلس التعاون الخليجي كما أن تمويل عجز مالي ضخم للغاية يتطلب على الأرجح بعض الأساليب غير التقليدية”.
ويقول مستثمرون ومحللون إن استخدام الاقتراض المحلي في تمويل العجز واستثمار أموال صناديق الدولة فيه أمر شائع جدا في الدول ذات الاقتصادات الناشئة والمتقدمة وإن له بعض الفوائد مثل تقليل مخاطر العملة.
ولهذا التحرك ميزة أخرى في السعودية هي عدم سحب السيولة لدى البنوك، وهو الأمر الذي حدث بعد انهيار أسعار النفط في 2015 عندما فرضت إصدارات الدين الحكومية ضغوطا على البنوك السعودية.
وقال كريسيانيس كراستينز المدير بفريق الدين السيادي لدى فيتش إن ذلك يمكن في الوقت نفسه أن يجعل المواطنين السعوديين الذين يعتمدون على مؤسسة التقاعد ومؤسسة التأمينات الاجتماعية “مكشوفين بدرجة مفرطة على المخاطر السيادية السعودية والتي ستصبح مثيرة للمشاكل إذا كان أداء الأوراق الحكومية السعودية أقل من الاستثمارات المحلية أو الدولية الأخرى”.
وردا على سؤال عما إذا كانت السلطات تشجع مؤسسات الدولة على زيادة انكشافها على الدين الحكومي، قالت الحكومة السعودية لرويترز إن الطلب على الدين السيادي المحلي تزايد هذا العام عبر شتى فئات المستثمرين بسبب التقلبات السوقية في فئات أخرى من الأصول الاستثمارية.
وقالت إنه يجري تحديث المديونية على أساس ربع سنوي لتعزيز الشفافية في السوق وإن الطلب على الدين المحلي ساعدها في إدارة مستويات المعروض في الأسواق الخارجية ومن ثم حماية فروق العائد على الأوراق المالية.
ولم ترد الحكومة السعودية على استفسارات عن المحافظ الاستثمارية لمؤسسة التقاعد ومؤسسة التأمينات الاجتماعية.
ودفعت جائحة فايروس كورونا البنوك المركزية في أنحاء العالم إلى إضافة أصول محلية إلى محافظها الاستثمارية وإلى تدخل الدولة في الاقتصاد بقدر أكبر.
وكانت السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، قد تضررت بصفة خاصة من التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد – 19. فقد أدى انخفاض إيرادات النفط إلى تزايد العجز الحكومي مما أدى إلى زيادة احتياجات التمويل السعودية لأكثر من مثليها هذا العام لتصل إلى 85 مليار دولار، وفقا لما تقوله موديز.
وفي المراحل الأولى من الأزمة، رفعت الرياض سقف الدين العام إلى 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي من 30 في المئة لزيادة المرونة المالية. وحولت 40 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي لتمويل استثمارات صندوقها السيادي صندوق الاستثمارات العامة.
وغطت مؤسسات مثل المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية جانبا من التمويل الجديد. ولم ترد المؤسستان على طلبات من رويترز للتعليق على استثماراتهما.
ولا تقدم المؤسستان تفاصيل عن وضعهما المالي. وهذا ليس غريبا في الخليج لكن الإفصاح في السعودية متأخر إذا ما قورن بالمؤسسات المماثلة في الأسواق المتقدمة والناشئة.
وزادت حيازة المؤسسات الحكومية من الدين العام إلى 166.9 مليار ريال (44.50 مليار دولار) بنهاية يونيو الماضي من 92 مليار ريال في نهاية العام الماضي، في حين زاد انكشاف البنوك التجارية السعودية على الدين الحكومي المحلي بما يزيد قليلا على 20 مليار ريال في الفترة نفسها.
وتزايد استخدام الرياض للدين في ملء خزائن الدولة منذ انهيار أسعار النفط في 2014 و2015 لكن مستويات الدين، التي يتوقع أن تتأرجح حول 32 و33 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الثلاث المقبلة، تُعتبر مع ذلك منخفضة نسبيا.
وقالت وزارة المالية إنها تتوقع أن يرتفع العجز الحكومي إلى 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام من 4.5 في المئة في العام الماضي.
ويقول جاربيس إيراديان، كبير الاقتصاديين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد التمويل الدولي، إن حوالي 25 مليار دولار من العجز المالي هذا العام، والذي قدره بنحو 72 مليار دولار أي 10.2 في المئة من الناتج المحلي، ستمول من البنوك والمؤسسات المحلية مثل المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
وأضاف أن الباقي سيغطى بالاستعانة بالاحتياطيات الرسمية في حدود 32 مليار دولار وبتمويل خارجي في حدود 15 مليار دولار.
وقال تيم آش، كبير المخططين الاستراتيجيين للديون السيادية في الأسواق الناشئة لدى بلوباي أسيت مانجمنت، “استراتيجية تطوير سوق الدين المحلية لتقليل الاعتماد على الأدوات الخارجية استراتيجية سليمة. إنها مشجعة وتستوفي الصواب”.
لكنه أضاف أن صندوقه لم يستمر في السوق المحلية بسبب مخاوف أوسع تتعلق باستقرار الربط الإقليمي للعملات.
والعملة السعودية مربوطة بسعر 3.75 ريال للدولار في سوق المعاملات الفورية. غير أنها شهدت بعض التقلبات في سوق المعاملات الآجلة هذا العام مع انخفاض أسعار النفط.
وترى ريتشل زيمبا، الباحثة في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز بحثي في واشنطن، أن التدخل النشط برأس المال المحلي في تمويل العجز “مصدر للمرونة” وأن خطوات مماثلة في أسواق ناشئة أخرى ساعدت في تعويض أثر تقلبات التدفقات المالية.
وقالت “مبعث قلقي الكبير يقل في ما يتعلق باستخدام مخزونات الدولة، المخصصة لوقت الحاجة، ويزيد في ما إذا كانت الشفافية في الإنفاق الحكومي والصلات بين الكيانات المرتبطة بالدولة ستسوء”.